القس باسليوس صبحي

 1. اسمه:
ورد اسمه إما بخط يده أو بخط الآخرين في العديد من المخطوطات هكذا:
أ. بخط يده
I. باللغة العربية:
-... ارميا بن القمص خادم خدام بيعة الشهداء الكرام ابو قير ويوحنا بابلون مصر المحروسة...[8]
- ارميا بن القمص خادم القيامة الشريفة...[9]
- المسكين الخاطي ارميا...[10]
- ارميا ابن القمص خادم القيامة المقدسة بيرشليم...[11]
-...للمسكين بخطاياه ارميا ابن القمص الغير مستحق ان يطلق عليه اسم الإنسانيه
خادم هيكل رآس القبر[12] فايض الحياه[13] بالقيامه بيروشليم...[14].

II. باللغة القبطية:
- pihyki pikermi iermiac =u=c n`ugoumenoc v] nai naf (pi)lutourg(oc) =n=t anictacic `e=o=ti qen il=im[15].
- `pihyki pikermi `nrefernob iermiac =u=c `n`ug\menoc v] nai naf[16].
- pihyki iermiac =u=c `n`ugoumenoc v] nai na[17].

ب. بيد غيره في حياته:
- القس المكرم ارميا ولد القمص العلم صَدقة أحد كهنة بيعة الشهدا الكرام ابوقير ويوحنا ببابلون مصر المحروسة[18].

جـ. بعد نياحته:
- القمص ارمياء الناسخ العالم الفاضل رئيس القيامة المعظمة وكاهن بيعة الشهدآء الكرام ابوقير ويوحنا بالكيمان...[19]
- الايغومانس المكرم ارميا...[20]
- الاب المكرم القمص ارميا الناسخ...[21].

2. زمان ومكان حياته ونشاطه:
إن كنا للأسف لا نعرف بالتحديد تاريخ رسامته الكهنوتية أو سني حياته على الأرض، ولكن على الأقل نستطيع أن نفهم من خلال طريقة سرد اسمه بالمخطوطات المختلفة إنه كان كاهنًا أولًا بكنيسة الشهيدين المكرمين أبا كير ويوحنا بمصر القديمة وذلك حوالي في الفترة من 1421-1432م، حيث كان أيضًا والده القمص العلم صَدقه (كذا)[22]، ثم انتقل لخدمة المذبح القبطي بكنيسة القيامة بالقدس وذلك حوالي في الفترة 1444-1461م[23]، وأخيرًا استقر به الحال بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة (التي كانت المقر البطريركي يومئذ) وحتى نياحته في الفترة 1461م[24]- إلى سنة؟ ومما هو جدير بالذكر أن الانتقال الأخير هذا من القدس لحارة زويلة تم بواسطة الأرشيدياكون الشيخ ولي الدولة ميخائيل[25]، حينما حضر للقاهرة لحضور عملية تقديس الميرون (سنة 1461 م)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى، وربما كان ذلك نظرًا لظروفه الصحية وتقدمه في العمر كما سوف نأتي بالشرح.

ومن الطريف أن القمص إرميا قد اشتراك في حادثتين كنسيتين هامتين، وبين هاتين الحادثتين تنحصر أخباره، وتلك الحادثتين هما:
أ. رسامة البطريرك الأنطاكي مار أغناطيوس بهنام الأول بكنيسة الشهيد العظيم مرقوريوس الشهير بأبي سيفين بمصر القديمة سنة 1138 ش (1421م)[26]، حيث صلى أواشي البطريركية الرومية جميعها في تلك الرسامة[27].
ب. اشترك وسجل خبر مطول لتقديس الميرون المقدس سنة 1177 ش. (1461م)[28].
أي أن سنوات عطائه وخدمته كانت حوالي أربعين سنة، تنحصر بين عامي 1138-1177 ش (1421-1461م).

3. أعماله:
أ. نسخ المخطوطات:

كما هو واضح من طريقة ذكر اسمه بالمخطوطات كان عمله النساخة. فقد نسخ بخط يده مجموعة كبيرة من المخطوطات توصلنا إلي بعضها، وهي كالتالي:
* المخطوطة 156 مسلسل / 33 طقس بالمتحف القبطي (نُسخ في سنة1139ش)[29].
* المخطوطة 50 طقس بكنيسة أبي سيفين بمصر القديمة (وحاليًا بالمقر البابوي بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون)، (نُسخ في سنة1141 ش).
* المخطوطة 47 طقس بكنيسة أبي سيفين بمصر القديمة (وحاليًا بالمقر البابوي بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون)، (نُسخ في سنة 1144ش) [30].
* المخطوطة 743 مسلسل/74 طقس بمكتبة البطريركية بالقاهرة (نُسخ في سنة1161 ش).
* المخطوطة 744 مسلسل/54 طقس بمكتبة البطريركية بالقاهرة (نُسخ في سنة1165 ش).
* المخطوطة745 مسلسل/107طقس بمكتبة البطريركية بالقاهرة (نُسخ في سنة1177 ش)[31].

كما نسخ مجموعة أخرى من المخطوطات إما فُقدت أو تَلِفَتْ لكثرة الاستخدام (حيث أن معظمها مخطوطات طقسية، وهذه النوعية من المخطوطات أسرعها للتلف)، ولكن حَفظت لنا بعض الحواشي بمخطوطات أخرى أخبار تفيد إنها منقولة عن مخطوطات أقدم بخط يده، توصلنا لبعضها، مثل:

* المخطوطة 101 عربي من المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس.
* المخطوطة 159 عربي من المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس[32].
* المخطوطة 46 قبطي بمكتبة الفاتيكان.
* المخطوطة 48 قبطي بمكتبة الفاتيكان[33].

وقبل أن ننتقل لعمل آخر من أعماله لابد أن نسجل أن القمص إرميا لم يكن مجرد ناسخًا عاديًا للمخطوطات، لم يكن ناقلًا سلبي التأثير أو على الأقل مُحايدًا محترفًا للمهنة لمجرد كسب العيش، فمعظم مخطوطاته الباقية للآن، كان قد نسخها لنفسه ولابنه من بعده "ليطالع فيها وقت الاحتياج"[34]، ثم صارت وقف على بعض الكنائس عن طريق البيع أو الهبة. بل كان ناسخًا من طراز خاص جدًا، فحينما كان يريد إعادة نسخ طقس معين، كان يجمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات التي تحوي ذلك الطقس ولو بترتيبات مختلفة محاولًا التوفيق فيما بينهم، مسجلًا الفروق وأحيانًا مؤرخًا لبعض الطقوس كلما أمكن ذلك[35]. فكان في الحقيقة عالم ليتورجي (بمقاييس زمانه) أكثر من كونه مجرد ناسخ.

ب. دوره في ترتيب الطقوس:
كما سبق وأشرنا لم يكن القمص إرميا مجرد ناسخًا ساذجًا للمخطوطات، بل كان موفقًا لترتيبات الطقوس المختلفة حتى تظهر في أجل صورها، أو في صورة موحدة. وهذا ما تشهد به بداية المخطوطة المنسوبة للبابا غبريال الخامس (الـ88) والمعروفة باسم الترتيب الطقسي، بقولها: "نقل هدا الترتيب من نسخه نقلها (...) من كراريس يدكر فيها انها بخط ارميا ابن القمص خادم القيامه الشريفه..."[36].

جـ. وضع بعض القطع (الصلوات):
تحليل يُقال في نهاية طقس تكريز الهياكل الجدد والمعاميد (المعموديات) الجدد وثاني يوم تكريز البطريرك وفي تكاريز الأساقفة وعشية الفصح والعنصرة[37]، والذي يبدأ بعبارة "السيد الرب يسوع المسيح كلمة الآب رب الجميع..."، ولوضع هذا التحليل قصة لطيفة نختصرها فيما يلي:

ذكر العلامة المقريزي ضمن أحداث سنة 755هـ (1354م) في عهد السلطان الناصر ناصرالدين أبوالمعالي الحسن (755-762هـ/ 1354-1361م): إن رفع إليه المسلمون رقاعًا يشرحون له مقدار أملاك الكنائس من الأطيان فأُحيلت على ديوان الأوقاف لفحصها ومعرفة ما تضمنت، ففحصها الديوان ووجد مقدار الأطيان 25 ألف فدان، فعقد السلطان والوزراء جلسةً وقرروا أن يُنعم بها على الأمراء[38]. على إثر ذلك قام الملك بطرس الأول لوزينا ملك مملكة قبرص اللاتينية بحملة على مدينة الإسكندرية في 20 محرم سنة 767هـ (7/10/1365م)، ونجح في احتلال المدينة بسهولة في يوم السبت 23 محرم[39]، ودام الاحتلال عدة أيام ارتكب خلاله جنود الحملة الكثير من الفظائع ضد المسلمين واليهود والأقباط والتجار الأجانب على حدٍ سواء، كما أسروا عدد وافر من سكان المدينة[40]. وعلى إثر ذلك قام السلطان الأشرف ناصر الدين شعبان الثاني (764-778هـ/ 1363-1377م) بموجة جديدة وعنيفة من الإضطهادات أسفرت عن تخريب معظم الأديرة (حوالي سنة 1365م وما بعدها)، وتقديم عدد غير قليل من الشهداء الجدد[41]، وإغلاق الكنائس[42]. مما أسفر عن ضياع العديد من كُتب ومخطوطات الكنائس والأديرة.

فلما تحنن الله على شعبه وأُعيد فتح الكنائس، قام البابا غبريال الخامس (الـ88) في السنة الثانية لحبريته بإعادة تدشين هياكل كنيسة الشهيد العظيم مرقوريوس الشهير بأبي سيفين بمصر القديمة في يوم الأحد 8 بشنس سنة 1126ش (3/5/1410م)[43]. وفيما يبدو أنه لم يَعثُر على النص الكامل لطقس تدشين الكنائس (بعد الخراب السابق ذكره)، مما أضطره لوضع ترتيبًا طقسيًا للعديد من الخدمات الطقسية، ومن بينها ترتيب تدشين الكنائس الجديدة الذي نظمه القمص إرميا الناسخ واضعًا هذا التحليل، وكان أول مرة يُتلى بصورته الحالية في عهد البابا متاؤس الثاني البطريرك الـ90 في يوم سبت الفرح 9 برمودة سنة 1177ش (4أبريل1461م)[44]. ومما هو جدير بالذكر أن هذا التحليل قد نُشر سنة 1962م[45]، كذلك لابد أن أسجل أن هذا التحليل يشبه لحد كبير تحليل الكهنة الذي يُتلى في نهاية صلاة نصف الليل من كتاب الأجبية.

د. كتابة موعظة القربان لباكر خميس العهد:
أول من تلى هذه الموعظة كان البابا متاؤس الثاني البطريرك الـ90 في يوم خميس العهد 7 برمودة سنة 1177ش (2 أبريل1461م)
هـ. تجميع أرجوزة[47] الأنبا أثناسيوس أسقف قوص[48]:
تقال في المعمودية، تبدأ بـ أيها الحبر أمام الشريعة...، نُشرت سنة 1962م[49].

4. تعرضه لتجربة وتوقف نشاطه:
تعرض القمص أرميا لتجربة صحية وهي فقد البصر (أو على الأقل ضعفه الشديد) مما جعله بالتأكيد يتوقف عن عمله كناسخ وقد دامت هذه التجربة حوالي سبع سنوات، ثم عاد إليه بصره وعاد إلي لنشاطه في سنة 1177ش[50]، وعلى إثر هذه التجربة عاد من خدمته بالقدس ومن ثم اشترك في هذه السنة في عملية تقديس الميرون المقدس وسجل خبر مطول عنه

5. نياحته:
على الرغم من أننا لا نعرف زمن نياحته بالتحديد ولكن لدينا شهادتين من سنة 1493م تؤكدان أنه قد رقد بالرب قبل هذه السنة بمدة.

الشهادة الاولى: (... خامس برمهات سنة 1209ش[51]وذلك بعد نياحة القمص ارميا بمدة وكذلك ابنه سركيس...)[52].

الشهادة الثانية: (... ثم بعد نياحته (القمص ارميا) انتقل هذا الكتاب من ملك ولده الشماس المكرم...)[53].

وفي الختام: من خلال هذه المعلومات القليلة والمختصرة عن شخصية القمص إرميا الناسخ، نتسآءل: هل كان البابا غبريال الخامس (الـ88) هو فعلًا واضع الترتيب الطقسي المنسوب له؟ أم كان للقمص إرميا فضلًا كبيرًا في هذا العمل؟ خصوصًا إذا شهد ناسخ مخطوطة البابا غبريال نفسه بأن هذا العمل (الترتيب الطقسي) كان من خلال تجميع "كراريس يذكر فيها أنها بخط ارميا ابن القمص". إنها في الواقع أسئلة تحتاج لبحث كامل ليجاوب عليها...