رد مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى لشؤون الآثار في مصر مختار الكسباني على الأنباء حول خطط حكومية لإزالة المقابر الأثرية للعظماء من الشعراء وغيرهم.
وأكد في تصريحات لـRT أن هناك مبدأ قانونيا ودستوريا يطبق ليس في مصر وحدها بل في العالم بأسره، وهي أن مناطق الدفن لا تخضع للملكية العامة وإنما هي مناطق حق انتفاع لحين استبدال الدولة لها، وعلى هذا الأساس فإن إزالة مقابر امتدت لها المياه الجوفية هو حق من حقوق الدولة.
وأضاف المسؤول المصري أن هناك هوجة وحملات ممنهجة يقف وراءها أعداء مصر مثل جماعة الإخوان والفضائيات الأجنبية، التي تحاول استثارة الجماهير بترويج أكاذيب عن هدم مقابر لعظماء مثل "المقريزي والإمام ورش" وغيرهم وهي شائعات لا أساس لها من الصحة.
وأكد الدكتور مختار الكسباني أن أي مقابر أثرية فعلا لن يتم إزالتها لكن أي مقابر عشوائية امتدت لها أيدي التلاعب والعبث سوف تتم إزالتها مثل مقابر عين الصيرة، التي كان ممنوع الدفن فيها منذ أيام المحافظ صلاح الدسوقي منتصف الستينيات من القرن الماضي، وذلك لأن المياه الجوفية امتدت إلى داخل هذه المقابر.
وأشار إلى أن الأشخاص الذين يقومون بالدفن باعوا المقابر مرة أخرى في منطقة عين الصيرة، وهو تلاعب وفساد واضح، خاصة أن المقابر بنيت فوق الأرض، مما أدى لخلل بيئي وصحي، فكان لا بد من تدخل الدولة لإزالة كل تلك المقابر.
ونفى أن يكون هناك نية لإزالة مقابر الرموز، مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، مضيفا أن الصور المنشورة على مواقع التواصل غير صحيحة وتدخل فى إطار السعي لعمل بلبلة داخلية وضغوط خارجية على مصر متهما الإخوان وصحف عالمية بالوقوف وراء تلك الأكاذيب على حد وصفه.
وقال إنه على سبيل المثال أتت إليه حفيدة الشاعر الراحل محمود سامي الباردوي، وجرى حوار بينه وبين الحفيدة وقال لها إن جدها الشاعر الباردوي توفي عام 1910 ومستحيل أن يبقى من جسده شيئ، منوها أن الجثمان لا يتبقى منه أي شئ بعد عشر سنوات.
وأضاف: "نحن لدينا خطة لإقامة مقابر الخالدين للحفاظ على الرموز وكذلك مقبرة الكومنولث، متهما عمال المقابر بالعبث بها وإعادة بيعها خاصة المناطق المفتوحة التى تحدث عليها تعديات وأصبحت موقعا لتجارة المخدرات والدعارة وكان لابد من التدخل من قبل الدولة لتصحيح الأمور".
من جانبه، قال أستاذ التاريخ المعاصر أحمد الصاوي، إن هذه الهجمة الشرسة والممنهجة على المنشآت الجنائزية بمحيط القاهرة التاريخية ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة في تاريخ مصر الحديث.
وتابع: "كانت هناك أولا عمليات هدم واسعة شملت أحياء سكنية بقلب القاهرة إبان الحملة الفرنسية على مصر وذهبت ضحيتها مبان كانت ملء السمع والبصر، وكان الهدف من ذلك توسيع الشوارع لضمان سهولة تحرك القوات الفرنسية لإخماد ثورتي القاهرة الأولى والثانية حيث كان الثوار يتمركزون بين أخطاط القاهرة بدروبها الضيقة محيدين بذلك فاعلية الفرسان والمشاة".
وأشار إلى أن الهدم كان يتم إما بالقصف المدفعي أو بواسطة فرق الهندسة الفرنسية وتلك الأخيرة كانت تجبر النجارين والبنائين على المشاركة في أعمال الهدم تلك، حيث أنه خلال الحملة الفرنسية خسرت القاهرة عددا كبيرا من عمائرها القديمة فضلا عن كمية هائلة من المخطوطات التي استولت عليها القوات الفرنسية من مكتبة الجامع الأزهر، وما حوله من مساجد ومدارس لتكون ضمن مقتنيات المكتبة الأهلية بباريس.
وقال إنه كما أن علينا أن نتذكر تلك الحملة التي رافقت تنفيذ رغبة الخديوي إسماعيل لتحويل القاهرة إلى صورة شرقية من باريس، ويكفي أن نتذكر كل تلك المباني الأثرية التي تم هدمها لشق شارع محمد علي أو الشانزليزيه الواصل بين القلعة وبركة الأزبكية، ومن الطريف أن مقابر العتبة الزرقاء تمت إزالتها أثناء تحديث القاهرة وسط احتجاجات ومظاهرات من أصحابها بدون جدوى.
وتابع: "في المرة الأولى كان الهدف عسكري استعماري، ووفي المرة الثانية كان الغرض استنساخ باريس، أما هذه المرة فالغرض بغض النظر عن مبرراته الظاهرة هو ضمان أرباح هائلة لإطفاء ظما قطاع المقاولات والعقارات الذي بات يلتهم الأخضر واليابس في البلاد بنهم شرس لا يفرق بين الأحياء المائية والموتى في رقدتهم الأبدية".