القمص يوحنا نصيف
ونحن نختتم السنة القبطيّة، تقدّم لنا الكنيسة في إنجيل الأحد الرابع من شهر مسرى، حديث السيّد المسيح عن نهاية الأيّام، والاستعداد للمجيء الثاني.. لذلك من المفيد أن نتعزّى بالتأملات الجميلة التي كتبها القدّيس كيرلّس الكبير في تعليقه على موضوع "الاستعداد والسهر"، حيث يقول:
يأمرنا المسيح أن نسهر.. وتلميذه (بطرس) أيضًا يُنهِضنا بقوله: "اصحوا واسهروا" (1بط5: 8)، وأكثر من ذلك فإنّ بولس الحكيم جدًّا أيضًا يقول: "استيقظ أيّها النائم، وقُم من الأموات، فيضيء لك المسيح" (أف5: 14).
+ لذلك، فمِن واجب أولئك الذين يريدون أن يكونوا مشترِكين في الحياة الأبديّة.. ألاّ يكونوا متراخين.. بل بالأحرى لتكُن إرادتهم مُمَنطَقة بشدّة، وأن يكونوا متميّزين بغيرتهم في الاجتهاد في تلك الواجبات التي يُسَر بها الله كثيرًا، ويجب أكثر من ذلك أن يكون لهم ذهن ساهر ويقِظ، ويتميّزون بمعرفة الحقّ، وأن يكونوا موهوبين بغِنَى بإشعاع رؤية الله، حتّى يحقّ لهم أن يفرحوا بهذا قائلين: "لأنّك أنت يارب ستضيء سراجي، أنت يا إلهي ستنير ظُلمتي" (مز17: 28 سبعينيّة).
من الواجب علينا.. ألاّ نحيد عن تعاليم الحقّ، وألاّ نُفسِح مجالاً في أذهاننا لظلمة الشيطان، بل بالأحرى نقترب من النور الحقيقي، الذي هو المسيح، ونسبّحه بمزامير ونقول: "أنِر عيني لئلاّ أنام إلى الموت" (مز12: 3 سبعينيّة).
لنعرفْ أيضًا أنّ ناموس موسى الحكيم جدًّا، قد أمر الإسرائيليّين بشيءٍ من هذا القبيل، فقد كان يُذبَح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأوّل حملٌ كمثال المسيح (خر12: 6)، "لأنّ فصحنا أيضًا، المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا" (1كو5: 7).. الله نفسه أمرهم عندما يأكلون لحم الخروف قائلاً: "لتكُن أحقاؤكم مُمَنطقَة، وأحذيتكم في أرجلكم، وعصيّكم في أيديكم" (خر12: 11).
لذلك أنا أؤكِّد أنّه من الواجب على الذين هم شركاء المسيح، أن يَحذَروا الكسَل العقيم.. ألاّ تكون أحقاؤهم غير مُمَنطَقَة وسائبة، ولكن أن يكونوا مستعدّين بابتهاجٍ أن يقوموا بكلّ الأعمال والأتعاب اللائقة بالقدّيسين. وإلى جوار ذلك أن يُسرِعوا بنشاطٍ وفرح إلى حيثما يقودهم ناموس الله. ولهذا السبب فقد أوصى (في الفصح) بما هو مناسب جدًّا لهم، بأن يلبسوا ثياب المسافرين.. فقد علّمنا المسيح أن ننتظر مجيئه ثانيةً من السماء، لأنّه سيأتي في مجد الآب مع الملائكة القدّيسين.
المسيح سوف يرجع كما مِن عُرس، ومن هذا يظهر بوضوح أنّ الله يسكن في بهجة دائمة، كما يليق به. لأنّه لا توجَد في السماء أحزان بالمرّة.. فعندما يأتي ويجدنا مُمَنطَقين وساهرين وقلبنا مستنير، عندئذٍ فإنّه في الحال سوف يكافئنا على أتعابنا.. ويعطي إكليلاً لا يفنى للذين يسهرون، لأنّه هو المُعطي، وموزِّع وواهب العطايا الإلهيّة..
[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 92) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]