د. رامي عطا
لكل دين، سماويًا كان أم وضعيًا، مجموعة من الرموز والعلامات والإشارات، التى تتواجد فى دور العبادة أو فى البيوت والمنازل، من خلال الملابس والصور والألوان واستخدام الكتب المقدسة، كما تظهر فى بعض الممارسات والطقوس الدينية والاجتماعية، التى يتخذها أتباع الدين للإشارة إلى دينهم والتعبير عنه، حيث تعكس الرموز الدينية قيمًا وعلاقات ومعانى، إذ إن لها دلالات رمزية، ثقافية واجتماعية ودينية، كما أن الرمز الدينى بمثابة أداة تواصل والتقاء وتفاعل بين أتباع الدين بعضهم بعضًا، ومن هنا تأتى قداسة تلك الرموز والعلامات والإشارات الدينية عند المؤمنين بها.
وفى ظل حالة الجدل، التى تُثار أحيانًا، بين حرية الرأى والتعبير من جهة، وبين احترام الرموز والمقدسات الدينية لمختلف الأديان من جهة أخرى، وهى حالة فيها الكثير من مساحات الاتفاق ونقاط الاختلاف، فإن الأمر يتطلب العمل على تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية، ما يُعبر عنه بالحرية المسؤولة، حيث الحق والواجب، فقد بات الأمر مُهمًّا، مُحيرًا ومُقلقًا، يتطلب نوعًا من الوعى بحقيقة حرية الرأى والتعبير من جانب، ومكانة الأديان ورموزها من جانب آخر.
وأود الإشارة هنا إلى مجموعة من الرؤى والأفكار والمنطلقات الرئيسة، التى تتعلق بالحرية ومكانة الرموز الدينية، على النحو التالى:
أولًا: تُمثل الحرية حالة انطلاق وتحرر فيها يختار الإنسان طريقه ويحدد أسلوب حياته، ويعبر عن رؤيته ووجهة نظره فى مختلف أمور الحياة، إلا أن هذه الحرية- وحسبما يتفق كثيرون- تقف عندما تبدأ حرية الآخرين، إذ يجب ألا تسبب ضررًا أو إساءة أو إهانة لأحد، فالحرية الحقيقية ليست تعديًا على أفكار الآخر ومبادئه ومعتقداته، بل هى تحترم كل وجهات النظر والرؤى والمعتقدات الأخرى.
ثانيًا: تختلف المجتمعات الغربية عن المجتمعات الشرقية، خاصة فيما يتعلق بالدين/ الأديان، والموقف من السلطة/ السلطات الدينية، حيث يرتفع سقف الحرية فى الغرب عنه فى الشرق، الأمر الذى يفسر إقدام البعض فى الغرب على الإساءة للرموز الدينية، ومن جانب آخر فإن المجتمعات الشرقية والإسلامية تحترم الرموز والمقدسات الدينية بشكل أكبر من المجتمعات الغربية، وتغضب لكل تجاوز وتعدٍّ بشأن الرموز الدينية، ما يُفسر دوافع كل منهما إزاء هذه المواقف والأحداث، ولكن علينا الوصول لمساحة اتفاق تقوم على الاحترام المتبادل.
ثالثًا: تتسبب السخرية من الرموز الدينية فى انتشار حالة اللاسلم وتنامى خطاب الكراهية بين المختلفين دينيًّا فى بعض الأحيان، كما أنها تُثير الغضب الشديد واستخدام العنف واندلاع الثورات العارمة فى المجتمعات المحافظة فى أحيان أخرى، فلكل فعل رد فعل تتراوح درجته بين اللين والشدة.
رابعًا: إن إساءة استخدام أى حق أمر وارد الحدوث، ولكن الحل لا يكون فى رفض التصدى للمشكلة أو عدم النص على تجريمها، ولكن علاجها يكون بوضع الضوابط التى تمنع سوء الاستخدام، ومن ثم ضرورة احترام الأديان ورموزها، والتفريق بين ما يُمثل تعبيرًا عن رأى، وما يُمثل إساءة وإهانة للأديان والمؤمنين بها.
خامسًا: إذا كانت حرية الرأى والتعبير قيمة مهمة وأساسية، لا غنى عنها فى المجتمعات المتقدمة والديمقراطية والناهضة، فمن الواجب أن يُؤخذ فى الاعتبار أهمية العمل على دعم وترسيخ قيم السلام المجتمعى والتسامح والعيش المشترك والتعددية والتنوع وقبول الآخر، واحترام الآخرين وعدم الإساءة إليهم، ومن ذلك احترام الأديان ورموزها ومقدساتها.
وفى تقديرى فإنه على كل شخص أن يسأل نفسه جيدًا، مجموعة من الأسئلة، قبل أى سلوك أو تصريح، خاصة فى الموضوعات ذات الطبيعة الجدلية والشائكة، ومن ذلك: ما القيمة التى يتضمنها المحتوى المزمع نشره أو السلوك الذى يعتزم القيام به؟ وما الفائدة التى سوف تعود على المجتمع والناس من هذا الفعل/ الرأى؟ هل سيحقق المجتمع أية فائدة منه؟ هل من المتوقع أن يُسبب تجريحًا لفئة من فئات المجتمع؟ هل يُمثل الفعل أو الرأى إساءة أو تمييزًا أو خطاب كراهية بشكل أو بآخر؟ كيف يمكن معالجة الموضوع فى إطار من الاحترام ودون المساس بقيم التسامح والسلام الإيجابى والعيش المشترك؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها، تُساعد على اتخاذ القرار المناسب، من أجل مجتمع/ مجتمعات يسودها الاستقرار والتفرغ لتنفيذ خطط التنمية وجهودها وتحقيق أعمال التحديث والتطوير، والاشتراك والتعاون معًا بما يحقق صالح الإنسان وخيره ومنفعته.
نقلا عن المصرى اليوم