مراد وهبة
فى الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 12 أغسطس 1925، أى قبل ثمانية وسبعين عاماً، صدر الحكم الآتى بدار الإدارة العامة للمعاهد الدينية فى شارع عابدين: حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ على عبد الرازق، أحد علماء الجامع الأزهر والقاضى الشرعى بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية، ومؤلف كتاب «الإسلام وأصول الحكم» من زمرة العلماء.
وكانت هيئة كبار العلماء قد وجهت جملة من الاتهامات إلى الشيخ على عبد الرازق لا تتناسب، من وجهة نظرها، مع وصف العالمية، لأن كتابه يحوى أموراً مخالفة للدين ولنصوص القرآن الكريم والسٌنة النبوية وإجماع الأمة، فأسست حكمها السابق على المادة 101 من القانون رقم 10 لسنة 1911 ونصها: إذا وقع من أحد العلماء، أيا كانت وظيفته أو مهنته ما لا يتناسب مع وصف العالمية، يحكم عليه من شيخ الجامع الأزهر بإجماع تسعة عشر عالماً من هيئة كبار العلماء المنصوص عليها فى الباب السابع من هذا القانون بإخراجه من زمرة العلماء ولا يُقبل الطعن فى هذا الحكم.
ويترتب على الحكم المذكور محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الدينية الأخرى وطرده من كل وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية. إن الكتاب صدر فى عام 1925، وكانت الخلافة الإسلامية قد ألغيت فى 3 مارس 1924، وكانت الأجواء مشحونة بموجات من الرفض لمسلك كمال أتاتورك، وكان الحديث عن العودة إلى الخلافة هو حديث جميع الأوساط. فها هى مجلة المنار لصاحبها رشيد رضا تكتب أن صفة الإسلام قد زالت عن المجتمعات الإسلامية بإلغاء أتاتورك لمنصب الخلافة العثمانية، وأن كل المسلمين آثمون حتى يبايعوا خليفة آخر، وأن آثار هذا الإثم ستحل عليهم عقاباً فى الدنيا، فضلاً عن عقاب الله يوم القيامة. وأنهم قد أصبحوا بسبب ذهاب منصب الخلافة أمة «جاهلية». لقد جرت هذه الجلسة التأديبية، حسب وثائق هذه الفترة، فى جو مشحون بالكراهية والعداء للشيخ على عبد الرازق. ولعل تجاهل تحيته عندما قال عند الدخول والانصراف السلام عليكم فلم يرد عليه أحد، لم يكن مفاجأة بالنسبة له.
وها هو فى تعليقه على الحكم الذى صدر ضده يقول: وكانت التهمة التى أعلمنا بها، وطلبنا للمحاكمة من أجلها، أن كتابنا قد اشتمل على أشياء لا تصدر عن مسلم فضلاً عن عالم. وتلك تهمة شنيعة ذى شعبتين: فهى ترمى إلى إخراجنا من زمرة العلماء أولاً، ولعل ذلك قد يهون، وترمى إلى إخراجنا، والعياذ بالله، من عداء المسلمين ثانياً، وتلك التى لا نرضى بها. ولقد أهمتنا التهمة الثانية حتى هانت الأولى بجانبها.
لا جزم أننا تقبلنا مسرورين إخراجنا من هيئة كبار العلماء. ولهذا فإنه عندما سٌئل من صحيفة ة لا بورص اجيبسين: هل يخرجك هذا الحكم من زمرة العلماء؟ قال: كلا، على الإطلاق لقد أخرجنى الحكم من هيئة علماء الأزهر، وهى هيئة علمية أكثر منها دينية، ولم ينشئها الدين الإسلامى، ولكن أنشأها مشرع لم تكن له أى صفة دينية. والجدير بالتنويه هنا أن ما حدث للشيخ على عبد الرازق حدث لجليليو عندما حاكمته هيئة كبار العلماء من المسيحيين، عندما أيد نظرية دوران الأرض حول الشمس.
نقلا عن المصرى اليوم