صلاح الغزالي حرب
فى وقت الأزمات لا بديل عن الصراحة والشفافية والوضوح وإعادة ترتيب الأولويات بما يتناسب مع الصعوبات التى تواجه الدولة.. وفى البداية لابد من التأكيد على أن ما تم فى زمن قياسى من إصلاح البنية الأساسية والطرق والكبارى والقضاء على العشوائيات وبناء المدن الجديدة بما يتناسب مع الزيادة المطردة فى السكان والنجاح فى حل مشاكل الكهرباء المزمنة التى عشناها سنوات طويلة وغيرها من الإنجازات التى نلمسها على أرض الواقع هى إنجازات معجزة لا سبيل لإنكارها إلا من جاهل أو جاحد، ولكن على الجانب الآخر من الصورة نجد تراجعًا فى البنية الإنسانية، التى تتعلق بالإنسان المصرى وحياته اليومية والعلاقات الإنسانية والجرائم الغريبة على مجتمعنا وتراجع القيم الإنسانية والأخلاقيات التى كانت تميزه، وسوف أسرد بعض الأمثلة على التعامل مع بعض المشاكل:
أولًا.. أزمة الأسعار:
لا يمكن أن تستمر هذه الأزمة بلا تدخل حازم من أجهزة الدولة، التى فشلت فى تحجيم هذا الغلاء، وقد تحدثت عن ذلك مرارًا، ولم تتحرك الدولة!، ومع حبى وتقديرى للاقتصادى والمفكر المتميز د. زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، فإننى لا أتفق مع رفضه لمطالب إحكام الرقابة على الأسواق والضرب بيد من حديد ووضع تسعيرة جبرية مؤقتة للسلع الأساسية ووصفها بأنها كلام نظرى، ولن يكون له أثر على أرض الواقع لاختلاف العصر!، فالحقيقة الماثلة أمامنا وأمام د. زياد هى أن جشع الكثير من التجار والمستوردين وانعدام الرقابة القوية وعدم الحزم والحسم فى التعامل مع هذه الفئات هو سبب الغلاء، ومن غير المقبول أن تتردد الدولة أمام هذا الجشع والفساد.
ثانيًا.. أزمة الكهرباء المؤقتة:
بداية لابد من التأكيد على أننا لسنا وحدنا الذين نعانى هذه الأزمة، فهى أزمة عالمية، كما أننا والحمد لله نمتلك شبكة قومية للكهرباء قادرة على توليد حتى 48 ألف ميجا وات، فى حين أن استهلاك المواطنين لا يتعدى 36 ألف ميجا وات، كما أن شبكة نقل الكهرباء هى من أقوى الشبكات فى العالم، وهناك إقبال كبير من جانب المستثمرين من أنحاء العالم على الاستثمار فى مجال الطاقة المتجددة فى مصر بسبب قوة الشبكة، ولابد هنا أن نذكر مجهودات وزير الكهرباء د. محمد شاكر وزملائه برعاية شاملة من رئيس الدولة، وقد كشف رئيس الوزراء مؤخرًا عن السبب فى تخفيف الأحمال، والذى يرجع إلى عدم وجود الوقود الكافى لإنتاج الكهرباء (الغاز الطبيعى والمازوت)، وفى رأيى فإن المسؤولية تقع على وزير البترول والثروة المعدنية، الذى يجب أن يُساءَل عن عدم متابعة إنتاج الغاز واستيراد المازوت فى الوقت المناسب.. نطالب بتطبيق الثواب والعقاب، وخاصة فى هذه الظروف الصعبة، وأتفق تمامًا مع اقتراح الخبير البترولى القدير، صلاح حافظ، بدمج الوزارتين- الكهرباء والبترول- فى وزارة واحدة حتى تستقيم الأمور.
ثالثًا.. أزمة السكان:
تمثل الزيادة السكانية عبئًا على الموارد الطبيعية واستنزافها مع ازدياد الفقر والبطالة وندرة الغذاء وأزمة المياه وقضايا الإسكان ونمو الأحياء الفقيرة والعشوائيات، وقد كتبت أكثر من مرة مطالبًا بفصل هذه المشكلة الخطيرة عن وزارة الصحة وإنشاء مجلس أعلى للسكان، برئاسة رئيس الوزراء، تكون له كل الصلاحيات لإعداد استراتيجية حقيقية قابلة للتنفيذ، خاصة مع وجود كفاءات على أعلى مستوى فى هذا المجال، مع تكليف المحافظين بتنفيذ هذه الاستراتيجية ومتابعة العمل مع وضع حوافز مادية ومعنوية للسيدات، وخاصة فى الريف والصعيد، وتكليف وزارة الصحة بنشر أكبر عدد ممكن من الزائرات الصحيات فى كل القرى والمدن بمكافآت مجزية.. وقد فوجئت مؤخرًا بوزير الصحة يعلن فى مؤتمر صحفى عن تفاصيل الأعمال التحضيرية للمؤتمر العالمى للسكان والصحة، وقال إننا نجحنا فى خفض معدل الزيادة السكانية، وإن عدد المواليد قد انخفض من 2.7 مليون فى عام 2014 إلى 2.183 فى عام 2022!، فى الوقت الذى أعلنت فيه الساعة السكانية فى مبنى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن وصول عدد سكان مصر بالداخل إلى 105 ملايين نسمة!، بزيادة 250 ألف نسمة فى خلال 57 يومًا فقط!، فما معنى ذلك؟!، وأتساءل: كم عدد المؤتمرات التى عُقدت بالداخل، وشاركنا فيها فى الخارج من أجل حل هذه المشكلة؟، وكم أنفقنا من ملايين لم نجْنِ منها شيئًا إيجابيًّا؟، وإلى متى تستمر هذه الزيادة التى تعوق بقوة كل محاولات التقدم؟. لقد سبقتنا دول كثيرة نجحت فى هذا المضمار، وعندنا المتخصصون، فماذا ننتظر؟. وأطالب مرة أخرى بالشفافية والبُعد عن الأرقام الخادعة والشعارات البراقة.
رابعًا.. أزمة التعليم والثانوية العامة:
انتهت مظاهرة الثانوية العامة، ولا تزال أزمة التعليم تراوح مكانها، وتنعكس سلبيًّا على ملايين الأسر المصرية التى فاض بها الكيل.. فالمدرسون بدأوا يجهزون لعملهم بالأوكار الخصوصية، والمدارس خاوية على عروشها، وخاصة فى السنة الثالثة الثانوية، ويتسابق الأهالى مجبرين على الاشتراك فى هذه الأوكار، التى تزداد أسعارها بغير رقيب، ما أدى إلى ظهور ما يمكن تسميته حيتان الدروس، ووزارة التعليم لا حول لها ولا قوة، وهذا كله يزيد بكل تأكيد درجة الغضب والقلق فى النفوس.. وقد تفاءلت خيرًا بما تم الاتفاق عليه مؤخرًا فى الجلسة الخاصة للجنة التعليم والبحث العلمى بالحوار الوطنى باقتراح إنشاء المجلس الوطنى للتعليم والتدريب، وهو مجلس مستقل يضم خبراء متميزين فى مجال التعليم، مع تقليل عدد الحكوميين باعتباره مجلس رسم سياسات، ويمكن أن يضم بعض العلماء والمثقفين، كما شدد الأعضاء على أهمية التعليم الأساسى (الابتدائى والإعدادى)، وضرورة توحيد المحتوى الخاص بهذه المرحلة الحساسة، وأن يتضمن صفات الانتماء الوطنى، مع التركيز على اللغة العربية والتاريخ، وغيرها من الاقتراحات التى أتمنى أن ترى النور فى أسرع وقت.
وتبقى بعض الملاحظات على الثانوية العامة ومواعيد الدراسة أتوجه بها إلى وزير التعليم:
1) هناك بعض الطلاب الذين يتظلمون من الحصول على 4% وصفر% وما شابه، وكنت أتمنى أن يسارع الوزير بإحضارهم فورًا والكشف عن أوراق امتحاناتهم والتأكد من هذه النسب غير المسبوقة، خاصة ومنهم مَن كان من أوائل الشهادة الإعدادية، وهو أمر غريب لا يمكن تأجيله، ويجب الإعلان عن النتيجة الحقيقية أمام الرأى العام.
2) يجب الإعلان عن عدد مَن ثبتت عليهم تهمة الغش وكذا نتيجة التحقيقات معهم لمعرفة كيفية الغش ومَن ساعد أو شارك فى هذا الجرم.
3) من غير المفهوم أن تبدأ الدراسة فى المدارس الحكومية والخاصة فى الأول من أكتوبر، بينما أقرانهم فى باقى المدارس تبدأ قبل ذلك بشهر كامل، وهو ما يؤكد طبقية التعليم المرفوضة تمامًا، ولا يُعقل أن يبقى الطالب فى بيته فى إجازة لمدة 5 شهور فى السنة، فى الوقت الذى ننادى فيه بتطوير التعليم، وقد حدث ذلك للأسف فى العام الماضى، حيث تم اختزال التيرم الثانى، ولم يحصل الطلاب على حقهم فى التعليم الحديث، ولست أدرى أى فلسفة للتعليم ترضى بذلك!. أطالب بإعادة النظر فى تلك المواعيد، وعدم الاستخفاف بالغالبية العظمى من الطلاب.
نقلا عن المصرى اليوم