لواء د. سمير فرج
فجأة أصبحت أخبار قتال المُسيرات على الجبهة الروسية- الأوكرانية مسار الأحداث يوميًا على كل المواقع الإخبارية، وأصبح هناك من يسأل: هل نحن انتقلنا إلى مرحلة حرب المُسيرات، وهل معنى ذلك أن المُسيرات هي التي سوف تحسم نتائج الحرب بين روسيا وأوكرانيا لأى طرف من الأطراف؟
في البداية نتعرف على المُسيرات، وهى الدرونز، وهى طائرة صغيرة الحجم يتم توجيهها من على الأرض، لذلك لا تحتاج إلى مطارات وممرات إقلاع، حيث يمكن إطلاقها من على مركبة أو أرض فضاء، أو حتى سطح منزل، ولا تحتاج إلى طيار يتم تدريبه سنوات، بل إن مُوجّه هذه الطائرة من الأرض يتم تدريبه من ثلاثة إلى أربعة شهور، لذلك فهى أقل تكلفة، قد تصل إلى عدة آلاف من الدولارات.
وقد تزيد لتصل إلى واحد أو اثنين مليون دولار للمُسيرة المتطورة، عكس الطائرة «F -16» التي وصل ثمنها الآن إلى 100 مليون دولار. وتؤدى الطائرة المُسيرة غالبًا معظم مهام الطائرة المقاتلة في الحصول على المعلومات عن العدو، وتقوم بمهام انتحارية، وتقوم بتدمير الأسلحة والمعدات للقوات المعادية، كما أن صغر حجمها يعطيها القدرة على عدم اكتشافها عن طريق الرادارات العادية، ومن ذلك كله أصبح استخدامها عنصرًا مهمًا في أي معركة بدلًا من الطائرات القتالية العادية، ولقد اكتشفت بعض هذه الدول مبكرًا أهمية دور هذه الطائرات لذلك عملت على تطويرها، حتى جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية لتظهر أهميتها، ومنها أمريكا والصين وإيران وتركيا وبعض الدول الأوروبية.
ويبدو أن روسيا لم تهتم كثيرًا بتطوير هذا النوع في الفترة الماضية، حيث ركزت روسيا خلال السنوات العشر الماضية على تطوير أنظمة الصواريخ الباليستية. ونجحت نجاحًا باهرًا في ذلك، حتى أنها خلال الافتتاحية الأولى للحرب مع أوكرانيا قامت بتنفيذ ضربة صاروخية بدلًا من الضربة الجوية، وحققت نتائج مهمة، وأعتقد أن العالم كله سوف يغير أسلوب قتاله مستقبلًا في المرحلة الأولى من الحرب باستخدام الضربة الصاروخية بدلًا من الضربة الجوية ذات التكلفة العالية اعتمادًا على الخبرة الروسية في تلك الحرب.
ومع تطور أعمال القتال في الحرب الروسية- الأوكرانية، اكتشفت روسيا أهمية هذه الطائرات المُسيرة فاستعانت بالطائرات المُسيرة الإيرانية «شاهد»، لكنها بدأت الآن في تطوير تصنيع هذا النوع من الطائرات، وأعتقد أنه في نهاية هذا العام سوف يشهد العالم أنواعًا متطورة جديدة من الطائرات المُسيرة الروسية.
ونعود للأحداث الجارية على أرض الواقع في الحرب الروسية- الأوكرانية، عندما بدأت الحرب في 24 فبراير 2022، نجحت روسيا بعد ثمانية أشهر من الاستيلاء على 20% من الأراضى الأوكرانية في قطاعات لوهانسيك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون الأربعة، وجاء الشتاء الماضى، وبدأت روسيا في تنظيم الدفاعات في تلك المناطق التي استولت عليها لمنع أي هجوم أوكرانى.
على الجانب الآخر، بدأت أوكرانيا في تلقى الأسلحة والدعم من أمريكا والدول الغربية مثل طائرات «F-16» وأنظمة الدفاع الجوى الباتريوت، والمدفعية هيمارس، ومن ألمانيا الدبابات ليوبارد، ومن إنجلترا الدبابات تشالنجر، ومن فرنسا الدبابات «AMX»، وأسلحة متعددة أخرى، وبدأت أوكرانيا في الاستعداد خلال فصل الشتاء، وأطلقت الهجوم المضاد في الربيع، وانتظر الجميع. حيث جاء الربيع، ولكن بدأت أوكرانيا في الهجوم على الدفاعات الروسية. مع دخول الصيف. ولم ينجح الهجوم المضاد الأوكرانى لعدة أسباب، أولًا أن روسيا لها سيادة جوية على مسرح العمليات، وهذا الأمر يعنى أنه من الصعب قيام أوكرانيا بأى هجوم مضاد. النقطة الثانية أن روسيا أعادت في الشتاء تنظيم دفاعاتها طبقًا للعقيدة الروسية على أعلى مستوى من الخطوط الدفاعية المتتالية. والمواقع التحويلية والموانع المختلفة. ليصعب على أوكرانيا اختراق هذه الدفاعات إلا بقوات متنوعة وبسيطرة جوية.
أما النقطة الثالثة فهى أن أفراد الجيش الأوكرانى لم يستوعبوا التدريب على الأسلحة الجديدة التي حصلت عليها من حلف الناتو وأمريكا. وكان عليهم الانتظار حتى يتم استيعاب وتدريب كل الأفراد. أما النقطة الرابعة فهى أنه كان على أوكرانيا الانتظار لحين وصول طائرات «F-16» من أمريكا، وتدريب الطيارين الأوكرانيين عليها بدلًا من الهجوم قبل وصول هذه الطائرات.
لذلك لم ينجح الهجوم المضاد الأوكرانى. ولم تستطع أوكرانيا استعادة الأرض التي فقدتها، واستولت عليها روسيا، ومن هنا بدأت أوكرانيا التفكير في استخدام الطائرات المُسيرة جديًا، حيث بدأت بمهاجمة موسكو، العاصمة الروسية، وكانت مفاجأة للجميع وصول الطائرات الأوكرانية، ومهاجمة مبنى الكرملين، ثم بدأت مهاجمة شبه جزيرة القرم، والجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا، أطول كوبرى في أوروبا، وبالتالى نجحت أوكرانيا في رفع الروح المعنوية لقواتها ولشعبها. إنها تهاجم روسيا. وفى قلب العاصمة.
كذلك أعطت الانطباع للولايات المتحدة ودول حلف الناتو بأنها تحقق أهدافًا على أرض المعركة، وجاء الرد الروسى قويًا وعنيفًا بتدمير أهداف عسكرية أوكرانية في كييف العاصمة، وكذلك ميناء أوديسا، أكبر موانئ أوكرانيا لتصدير القمح، ليحرم أوكرانيا من تصدير أهم سلعة تصدرها للخارج.
ويبقى في النهاية الإجابة على السؤال: هل حسمت الطائرات المُسيرة أعمال القتال على الأرض لصالح أوكرانيا أو روسيا؟ والإجابة ببساطة: لا، لقد حققت فقط رفع الروح المعنوية للشعب والجيش الأوكرانيين، ولكنها لم تحقق لأوكرانيا استعادة الأرض التي احتلتها روسيا، وهى من أهم أهداف أوكرانيا في هذه الحرب.
وعلى الجانب الآخر، سوف تطيل حرب المُسيرات مدة القتال، لذلك بدأ يظهر أنه لا بوادر للوصول إلى حل سلمى لهذه الحرب إلا بعد نهاية هذا العام، ودخول عام 2024، هنا ممكن أن تتغير الأحداث، خاصة أن الولايات المتحدة تدخل عام الانتخابات الحاسمة خلال هذه الفترة العام القادم، كذلك فإن دول حلف الناتو ستبدأ دخول مرحلة الملل والشكوى من طول هذه الحرب والأعباء الاقتصادية التي تمر بها، الأمر الذي دعا وزير الدفاع البريطانى، بن والاس، في اجتماع حلف الناتو الأخير، حين كان يخاطب الرئيس الأوكرانى ويقول له: نحن لسنا في محل الأمازون تطلب كل ما تريد من الأسلحة والمعدات، وتحصلها على الفور. وهكذا تمضى الأيام والجميع ينتظر الوصول إلى نهاية هذه الحرب التي أرهقت الجميع.
وتظل حرب المُسيرات الدائرة حاليًا هي عمليات لرفع الروح المعنوية للشعب والجيش الأوكرانيين، ولكنها لن تحقق أي نجاح أو تقدم في سير أعمال القتال لصالح أوكرانيا.
نقلا عن المصرى اليوم