ياسر أيوب
كان القفز ثالث نشاط بدنى في التاريخ للإنسان بعد المشى والجرى.. وتعلم الإنسان القفز من حيوانات كثيرة حوله كالخيول والكلاب والضفادع والقرود.. واحتاج الإنسان في البداية للقفز إما للهرب من حيوان يريد افتراسه أو اللحاق بحيوان يحاول اصطياده.. وبعد وقت طويل أصبح للقفز معان وأدوار أخرى غير مجرد الهروب والصيد مثل سعادة أن يعلو الإنسان ضد قانون الجاذبية.. ثم أصبح القفز لعبة سواء للصغار مع الحبل أو للكبار في مختلف الألعاب مثل كرة القدم والطائرة واليد والسلة والجمباز وغيرها.
وفى ألعاب القوى أيضا حيث الوثب الثلاثى والوثب الطويل لكننى هنا أقصد الوثب العالى الذي عرفته واعترفت به الألعاب الأوليمبية منذ دورتها الأولى في أثينا 1896.. وذلك بمناسبة أحاديث كثيرة دائرة حاليا عن الإيطالى جيان ماركو تامبيرى الفائز بذهبية القفز العالى في بطولة العالم الحالية لألعاب القوى في بودابست.. فليس من المعتاد أن يفوز لاعب في القفز العالى بميدالية أوليمبية ذهبية ثم يفوز في العام التالى ببطولة أوروبا في نفس اللعبة وفى العام الثالث يفوز ببطولة العالم.. ثلاث بطولات كبرى في عامين من طوكيو في أغسطس 2021 إلى بودابست في 2023.
وقام تامبيرى بذلك وهو يقترب من نهاية مشواره الرياضى بعد أن أتم من العمر 31 عاما.. وكان أندريا أبودى، وزير الرياضة الإيطالى، على حق حين قال إن تامبيرى قدم مثلا لكل الإيطاليين في المثابرة والإرادة وعدم اليأس والاستسلام للإحباط.. فقد اعتدنا رؤية نجوم الرياضة يبدأون بالتألق والانتصار ثم تقل تدريجيا نجاحاتهم وعطاؤهم حين يقتربون من خط النهاية.. لكن تامبيرى قام بالعكس تماما فانتصر في خريفه الرياضى وهو يوشك على الانصراف.. وكان تامبيرى في طوكيو هو أول إيطالى في التاريخ يفوز لبلاده بميدالية أوليمبية في القفز العالى.
ومنذ بدأت الدورات الأوليمبية وشعار كل الدورات هو الأسرع والأقوى والأعلى.. ولا يزال كثيرون يرون أن نجم كل دورة أوليمبية هو الفائز بسباق جرى المائة متر.. ولست أقلل من قيمة السباق وكل من يجرى لكننى أرى القفز العالى هو الأصعب.. حتى من وجهة النظر الطبية يبقى القفز هو العملية الديناميكية شديدة التعقيد يقوم بها الجسم استعدادا للارتقاء عاليا تشبه ما تقوم به الطائرة قبل إقلاعها.
وهو ما يفسر ما قاله تامبيرى بعد الفوز ببطولة العالم حين أكد أنه في لحظات القفز شعر كأنه أحد الأبطال الخرافيين.. ففى السينما يصبح القفز العالى دائما أحد أساسيات الأبطال غير العاديين ولابد أن يقوموا بذلك لإرضاء المشاهدين الذين في قرارة أنفسهم يتمنون القدرة على القيام بذلك في الحقيقة وليس عبر الشاشة.. لكن لم يلتفت كثيرون لهذه العبارة ومعناها وانشغلوا فقط بغرائب البطل الإيطالى الذي اعتاد ارتداء جوربين بلونين مختلفين مثلما اعتاد أيضا حلاقة ذقنه من جانب واحد فقط.. وكان هناك أيضا من التفتوا لنجم إيطالى نجح أخيرا في الفوز على الأمريكيين في لعبة احتكروا معظم ميدالياتها الأوليمبية والعالمية.
نقلا عن المصرى اليوم