محرر الأقباط متحدون
قام رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجيو ماتاريلا بزيارة إلى ريميني لمناسبة انعقاد لقاء الصداقة بين الشعوب، والذي تنظمه سنوياً في المدينة الإيطالية حركة "شركة وتحرر" الكاثوليكية. دامت الزيارة قرابة الساعتين وسط التصفيق والهتافات، قبل أن يلقي كلمة تطرق فيها إلى المآسي التي يعيشها المهاجرون، متوقفا عند القيم الواردة في الدستور الإيطالي، وعند الرسالة العامة للبابا فرنسيس Fratelli Tutti، وقال إن نمو الصداقة بين الأشخاص هو ما يميز التقدم البشري.
شاء رئيس الجمهورية الإيطالية أن يعانق المشاركين في لقاء الصداقة بين الشعوب في ريميني، حيث جال على المعارض والأجنحة المختلفة، وتوقف ليتبادل أطراف الحديث مع عدد من المتطوعين المشاركين في اللقاء السنوي الذي يستقطب عدداً كبيراً من الشخصيات الكنسية والمدنية المرموقة. وأطلع هؤلاء الرئيس ماتاريلا على النشاطات التي يقومون بها وعن التزامهم لصالح تعزيز علاقات الصداقة بين الأشخاص والشعوب.
في كلمة وجهها إلى الحاضرين أكد الرئيس الإيطالي أن الصداقة هي مضادة للعنف، وهي تنطلق من المعرفة ومن الحوار، ومن هذا المنطلق إنها تكتسب أيضا قيمة سياسية، على الرغم من المساعي الهادفة غالباً إلى تغذية الانقسامات والمواجهة. في سياق حديثه عن الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا منذ ثمانية عشر شهراً أراد ماتاريلا أن يذكّر الحاضرين بأن أوروبا كما نعرفها أبصرت النور بفضل التزام متبادل في إحلال السلام بين الشعوب والدول، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وعلى ركيزة السلام هذا شُيدت منظومة الحرية والديمقراطية والحقوق المتساوية. وعلى هذه الركيزة أيضا نمت ثقافة الأوروبيين وحضارتهم. وقال: إننا لن نتعب أبداً من العمل من أجل وضع حد للحرب، ومن أجل الحيلولة دون اعتداء القوي على الضعيف، ونسعى إلى بناء سلام عادل.
ولم تخل كلمات الرئيس الإيطالي من الحديث عن ظاهرة الهجرة، وشدد على ضرورة التعامل مع هذه الظاهرة على أنها عالمية ولا يمكن وقفها من خلال بناء الجدران أو الحواجز. وروى أنه يحتفظ في الجناح الذي يقطنه داخل القصر الجمهوري، الكويرينالي، بلوحة تصور فتى في الرابعة عشرة من العمر انتُشلت جثته في البحر المتوسط بعد أن مات غرقاً، ومن حوله مئات الأشخاص. وتظهر اللوحة أنه يحمل داخل سترته دفتر العلامات، ما يعني أنه يستخدمه كجواز سفر، وقد حاول الوصول إلى أوروبا لمتابعة تحصيله العلمي وحسب. من هذا المنطلق شدد ماتاريلا على ضرورة العمل من أجل ضمان وصول آمن لهؤلاء الأشخاص وللحيلولة دون تكرار مآس من هذا النوع. وقال إن الهجرة المنتظمة والمستدامة هي وحدها كفيلة في القضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر.
بعدها تطرق الرئيس الإيطالي إلى الرسالة العامة للبابا فرنسيس Fratelli Tutti، ولفت إلى أن الحبر الأعظم شاء من خلال هذه الوثيقة أن يتطرق إلى الصداقة الاجتماعية، كأفق لحوار جديد، وأكثر زخماً، بين الأجيال، لحوار بين الثقافة الشعبية وتلك الأكاديمية، بين الفن والاقتصاد والتكنولوجيا. كما تناول أيضا أهمية تجدد الأنسنة في زمن التحديث والابتكار الذي نعيشه، وحيث نشهد تقدماً في العلوم والذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية، والطب والتكنولوجيات الرقمية. وأكد ماتاريلا أن الصداقة الاجتماعية هي بعد يوطد العلاقات بين الجماعات من أجل مواجهة تحديات التاريخ.
هذا ثم لفت إلى أن الدستور الإيطالي يرتكز إلى مفهوم التوافق، هذا التوافق الذي أبصر النور من أجل تخطي ونبذ الحقد، كما أن الحضارة البشرية تدعونا إلى التغلب على هذا الحقد وإزالته من العلاقات بين الأشخاص ومعاقبة المسؤولين عنه، من أجل إرساء أسس التعايش السلمي. لذا مضى الرئيس الإيطالي يقول إن مؤسساتنا ترتكز إلى التوافق المجتمعي وإلى البحث عن الاحترام والتعاون من خلال الانسجام والتضامن، معتبرا أن الصداقة تجعل من العلاقة بين الناس عاملاً للسعادة، خصوصا وأن المشاعر والتصرفات البشرية هي التي ترتقي بحياة الجماعات، كما أن الرخاء الذي يوفره السلام هو ثمرة هذه الرؤية.
في الختام ذكّر الرئيس الإيطالي بالإسهام الذي قدمته نواة من المفكرين الإيطاليين الكاثوليك عام ١٩٤٣ والذي أدى إلى قيام النظام الديمقراطي الجديد، لافتا إلى أن هؤلاء حاولوا أن ينبوا منظومة ديمقراطية تنعم بالتعددية، وترتكز إلى تفوق الكائن البشري. وذلك لأن الخير العام هو مسؤولية الجميع، ولأن الدستور الإيطالي يرتكز إلى مبدأ احترام كرامة الإنسان وتطلعاته المشروعة.