محرر الأقباط متحدون
يقوم رئيس الأكاديمية البابوية للحياة المطران فنشنسو باليا بجولة على أمريكا اللاتينية بدأت يوم الأربعاء الماضي وتستمر لغاية الثلاثين من الجاري، وتشمل تشيلي والأرجنتين. في العاصمة التشيلية سانتياغو شارك سيادته في مؤتمر نُظم في مقر بعثة الفاو الإقليمية في أمريكا اللاتينية والكاراييب بهدف تسليط الضوء على كيفية الوقاية والحد من هدر المواد الغذائية في سياق الأمن الغذائي.
ألقى المسؤول الفاتيكاني مداخلة استهلها شاكرا المنظمين والمشاركين على اهتمامهم بهذا الموضوع المقرر والذي يعكس التناقضات الراهنة في زماننا هذا، ولفت إلى أنه يكتسب أهمية كبرى خصوصا في ضوء ما قاله البابا فرنسيس خلال لقائه، في الثامن عشر من أيار مايو ٢٠١٩، أعضاء الاتحاد الأوروبي للبنوك الغذائية معتبرا أن هدر الطعام يعني إقصاء الأشخاص، لأن المواد الغذائية التي يتم هدرها تحدد مصير ملايين الأشخاص الجياع حول العالم، وتؤدي إلى موتهم في نهاية المطاف. وهذا يحصل في مناطق عدة حول العالم، بما في ذلك أمريكا اللاتينية. ولفت المطران باليا إلى أنه لا يمكن أن نقبل اليوم بإقصاء الأشخاص الجياع، مضيفا أنها ممارسة مقيتة وعلينا أن نتحمل مسؤوليتها أمام الله والتاريخ.
بعدها أوضح سيادته أن نسبة الهدر في الطعام في أمريكا اللاتينية تصل إلى ستة بالمائة من مجموع الهدر على الصعيد العالمي، وعلى الرغم من كونها ضئيلة نسبياً تترتب عليها نتائج وخيمة لدى الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في القارة ويُقدر عددهم بسبعة وأربعين مليونا، لاسيما إزاء ارتفاع معدلات سوء التغذية خلال السنوات الماضية. وأشار باليا في هذا السياق إلى أنه توجه إلى هاييتي منذ سنتين حيث زار مدن الصفيح في العاصمة بور أو برينس، والتقى بأشخاص امتلأت بطونهم بـ"طعام القمامة" أو الوجبات السريعة وآخرين يعانون من سوء التغذية المزمن. وتساءل كيف نستطيع أن نغض الطرف عن ذلك وألا نفعل شيئا؟ وقال إن دماء الأشخاص الذين يموتون بسبب الجوع تلقي بثقلها على ضمائرنا.
واعتبر رئيس الأكاديمية البابوية للحياة أن الحل يتطلب تغييرا في النموذج بشكل يساعدنا على مواجهة هذا التحدي بجدية ومسؤولية. وقال إننا لا نستطيع بعد اليوم أن نتطرق إلى مسألة الطعام بمنطق اقتصادي بحت. ومما لا شك فيه أن عمليات الإنتاج والتوزيع ترتكز إلى بنى اقتصادية، بيد أن الأمر يتخطى الإطار الاقتصادي، لأن المجال الزراعي والغذائي يؤثر مباشرة على حياة الأشخاص، ويستجيب لمتطلباتهم الأولية لذا لا يمكن أن يُعتبر الاقتصاد غاية بحد ذاته لأنه وسيلة ويجب أن يوضع في خدمة حياة الأشخاص وأن يساهم في بناء مجتمع أكثر عدلا وإنصافا. وبالتالي من الأهمية بمكان ألا يطغى منطق السوق على عملية إنتاج وتوزيع المواد الغذائية.
هذا ثم ذكّر المطران فنشنسو باليا بما كتبه البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للتغذية عام ٢٠٢١، مشدداً على ضرورة أن تتخطى مكافحة الجوع منطق السوق، الذي يرتكز بجشعٍ إلى الربح المادي، فيصبح بالتالي الطعام سلعة كباقي السلع، فلا بد من العمل على تعزيز منطق التضامن. ولفت سيادته في هذا السياق إلى أن التضامن الذي يتحدث عنه البابا فرنسيس ليس مجرد شعور بالإحسان حيال الفقراء والضعفاء، بل يندرج في إطار مفهوم أشمل يعتبر أن كل خبرة بشرية، بما في ذلك الاقتصاد، مدعوة إلى التعاون من أجل بناء عائلة بشرية ترتكز إلى الأخوة، وهذا ما شدد عليه الحبر الأعظم بنوع خاص في رسالته العامة Fratelli Tutti. إن منطق التضامن يتطلب بالتالي من اللاعبين الاقتصاديين أن يقروا بمسؤولياتهم الاجتماعية وبالترابط القائم بين مختلف القطاعات، وبضرورة توفير الحماية للأشخاص وللعالم الذي نعيش فيه.
لم تخل مداخلة المسؤول الفاتيكاني من الإشارة إلى أن مكافحة الجوع تتطلب التصدي لظاهرة هدر الطعام، لأن هذا الهدر يعكس اللامبالاة حيال الأشخاص المحرومين من الغذاء، وهو بالتالي تعبير عن ثقافة الإقصاء والتهميش. كما أن الهدر والإقصاء – تابع يقول – هما بعيدان كل البعد عن الرسالة الإنجيلية، خصوصا وأن الكتاب المقدس يؤكد في صفحاته الأولى أن كل ما صنعه الله هو حسن، والهدر يعني أن ثمة شيئا ما يمكن إقصاؤه. كما أن الرب يسوع لم يهمش أو يقصي أحدا، وتلامذته مدعوون، على الرغم من ضعفهم، إلى التأكيد على تعاليمه وعلى عدم وجود أي سبب يحملنا على إقصاء أي شخص، أيا كان، خصوصا وأن مثل أليعازر والرجل الغني في الإنجيل يندد بشدة بكل شكل من أشكال الإقصاء والتهميش.