حسين القاضى
صدر مؤخرا كتاب «كاملات عقل ودين»، للأستاذة أسماء عثمان الشرقاوى، وهو محاولة جادة لإنقاذ المرأة المسلمة '> المرأة المسلمة من التأثر بأحاديث تفسد على المرأة حياتها وعقلها، وجاء عنوان الكتاب إشارة إلى عدم صحة حديث: (النساء ناقصات عقل ودين)، وأهدت الكتاب إلى: «كل امرأة مسلمة تأذت وتألمت مما سمعته من أحاديث تهين المرأة، وتنقص من مكانتها».
الكتاب يتكون من خمسة أبواب:
الأول: مراحل جمع وتدوين القرآن.
الثانى: أسباب الوضع ومصادره.
الثالث: شروط صحة السند والمتن.
الرابع: كتاب صحيح البخارى وعرض للعلماء الذين نقدوا أحاديثه.
الخامس: نقد المتون لأحاديث خاصة بالمرأة.
وأول ما يلاحظ فيه أن الأبواب من الثلاثة الأخيرة هى التى تدخل مباشرة إلى موضوع الكتاب، مع أهمية الأول والثانى.
تقول الكاتبة بكل صراحة: «منذ بدأت البحث فى مجال القرآن والسنة النبوية المطهرة كنت أصطدم بأحاديث عن المرأة غريبة جداً، وهذه الأحاديث فيها عنصرية بغيضة، وإهانات للمرأة، وحط من شأنها ومكانتها، والغريب أن هذه الأحاديث تمثل تياراً يسرى فى كتب الأحاديث، وكنت أتعجب جداً، لأن معرفتى بالقرآن والسنة أنهما كرما المرأة وحفظا مكانتها الراقية».
ولأول وهلة ندرك صدق الكاتبة فى بحثها المهم، وأنها تفرق بين الإسلام -وقد أعلى من شأن المرأة- وبين ما نسب إلى الإسلام ونبيه زوراً وبهتاناً، فحينما نقول الأحاديث التى تحط من شأن المرأة، نعنى بذلك الأحاديث الدخيلة والأحاديث الموضوعة.
تلمس فى الكتاب أنه يريد الوصول إلى الحق، وهو غرض شريف، لكنها بدأته بنقلٍ من مدارس فكرية منحرفة، طالما أساءت هذه المدارس للمرأة والإسلام، وهذه النصوص التى نقلتها من كلامهم موجودة فى كتابات العلماء الأجلاء المستنيرين، وهم أولى بالنقل منهم، حتى إن كان المنقول صحيحاً، طالما وجد المنقول عن غيرهم.
تقول الكاتبة: «هناك كتب تحدثت عما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية عن تكريم المرأة وجعلها متساوية مع الرجل فى الخلق والعقل والتفكير، لكنها لم تتطرق للأحاديث صحيحة السند التى تهدم هذه المكانة».
ومعنى ذلك أنها ترى أن الأحاديث النبوية (صحيحة السند) أساءت للمرأة ومكانتها، بل وأفسدت الكثير من بيوت المسلمين، حتى الأطفال الذين ينشأون باضطرابات شخصية فى جو من احتقار المرأة، متشبعين بما يسمعونه من أحاديث تشكك فى المرأة وتصفها بأبشع الأوصاف، ثم بذلت جهداً لبيان أن هذه الأحاديث مرفوضة متناً وسنداً وعقلاً، وردت على من يقول إنها صحيحة السند.
والمعضلة التى أثارتها الكاتبة مشتركة بين العلماء من ناحية وبين المنكرين للأحاديث الصحيحة من ناحية أخرى، فعندما لم تصل جهود العلماء للعقل المسلم فى بيان التفسيرات الصحيحة للأحاديث، حدث تحير واضطراب شديد، بين قبول حديث منسوب للنبى الكريم، وبين أن هذا الحديث يخالف العقل، ويبدو فى ظاهره إساءة للمرأة، ومن هذه المعضلة جاء الطرف الذى ينكر الحديث أصلاً، والطرف المتمسك بصحة الحديث دون قدرة على تأويله، وغابت كتابات الطرف الثالث التى تعاملت مع الأحاديث تعاملاً يحترم جهود الأمة وعلمائها ويرضى العقل ويتفق مع الواقع.
كما أن الذين انتقدوا الأحاديث الصحيحة، وصحيح البخارى، ليسوا سواء، ففيهم من فعل ذلك تربصاً وتعصباً لهواه، وفيهم من فعل ذلك دفاعاً عن السنة النبوية من أن يُلصق بها ما يسىء إليها، وهو شديد الاحترام للعلماء وإجماعاتهم وجهودهم فى خدمة السنة، والأستاذة الكاتبة من النوع الثانى.
نرجع إلى الكتاب وقد فتحت به الكاتبة نقاشاً حيوياً، جدير بأهل التخصص النظر فيه ومناقشته والتفاعل معه، لاسيما أن الكتاب وقف عند الأحاديث التى يظهر أنها متناقضة مع القرآن والعقل، ومن هنا وجب حل هذا المعضلة فى حوارات ونقاشات مفتوحة، يتم فيها عرض كل الآراء على متخصصين فى جو من النقاش العلمى.
فمثلاً حديث: الرجل الذى قيل إنه ارتكب حراماً، فدعا رسول الله لقتله، ثم ثبتت براءته، تسجل الكاتبة -ومعها الشيخ محمد الغزالى- عدداً من الأسئلة المهمة، منها:
- استحالة أن يحكم الرسول على رجل بالقتل دون تحقيق.
- لا يصح قول الإمام النووى بأن استحقاقه للقتل كان لنفاقه لا لتهمته.
- مخالفة المتن لصريح القرآن الذى يطلب شهوداً فى تلك الواقعة.
- مخالفة المتن لسيرة النبى الكريم.
- فساد المعنى لمخالفته العدل، وعلى ذلك فالحديث غير بالمرة، وهو كلام منطقى جداً.
تناول الكتاب عدداً من الأحاديث الخاصة بالمرأة، مثل حديث: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير»، وحديث: «النساء ناقصات عقل ودين»، وحديث: «المرأة خلقت من ضلع أعوج»، وحديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وانتهت الكاتبة لرفض هذه الأحاديث، وانتهى الكتاب بخاتمة طويلة تعد فصلاً مستقلاً بذاته عن الأقوال المكذوبة على الرسول، وأثرها فى أحكام الفقه.
أيضاً أفردت الكاتبة باباً مستقلاً عن صحيح البخارى، بدأته بقولها: «شعور ممتع مرّ بى وأنا أقرأ مختصر البخارى! منذ عدة سنوات، وما زلت أذكر حلاوة الشعور بالقرب من رسول الله بعد الانتهاء من قراءة الكتاب»، ثم تقول: «الخطأ الفادح والجملة الخاطئة التى لا أتخيل أن يقبلها مسلم هى أن (كتاب البخارى أصح الكتب بعد كتاب الله)، فهى جملة فيها اعتداء صارخ وفاجر على كتاب الله، الذى يجب ألا يوضع معه كتاب آخر..».
وتعبير «فاجر» تعبير غير علمى، والكاتبة خلطت بين شخص البخارى وكتابه، فالوصف بأنه أصح كلام بعد كتاب الله، ليس وصفاً للبخارى، بل وصف للحديث النبوى نفسه، فكأنهم قالوا: أصح كلام بعد كلام الله كلام رسوله، وكلام رسوله موجود فى كتب كثيرة، أدقها البخارى.
ثم استعرضت الكاتبة العلماء الذين نقدوا كتاب البخارى، وعدتهم منهم من ليس متخصصاً فى الحديث كمحمد الغزالى ومحمد عبده ورشيد رضا، والحقيقة أن الذين تناولوا البخارى بالتعقيب والاستدراك كثيرون، لكنهم توصلوا إلى أن ما فيه صحيح، وهذا لا يمنع من القول إن ممن انتقدوا البخارى ولم يصلوا لهذه النتيجة، ليسوا أعداء للدين ولا كارهين للسنة، كما يزعم المتشددون وغلاة المحافظين.
وبقى تسجيل عدة نقاط:
- قام علماء الإسلام على مدار التاريخ بخدمة السنة، وكل أمر يتعلق بصحيح البخارى كان للعلماء فيه دراسة واهتمام وبحوث والكشف عن كل كبيرة وصغيرة عما أشكل فيه.
- التفرقة بين من يطعن فى البخارى قاصدا الطعن فى الوحى الشريف، وبين من يرفض بعض أحاديث البخارى قاصدا تصحيح المغلوط، وتبرئة السنة من أحاديث ظاهرها الإساءة للإسلام والعقل والمرأة.
- الجمع بين الأدلة مقدم على إنكار أحد النصين.
- علم مشكل الحديث، من أصعب العلوم، ويحتاج إلى تخصص دقيق.
- السنة الشريفة الصحيحة وحى من الله وليس اجتهاداً من النبى الكريم، إلا فيما يخص تصرفات النبى بالسياسية والإمامة والحكم والأكل والشرب واللبس.
- البخارى بشر يصيب ويخطى، والقول بغير ذلك تأليه له، وفى المقابل هو من أعظم علماء الإسلام.
- إن انتقاد الأئمة القدامى للبخارى كان انتقاداً للمنهج، ومغايراً لانتقاد المحدثين.
- صحيح البخارى ليس فيه أحاديث ضعيفة، ولكن فيه أحاديث مُضعَّفة، يقول صديقنا الدكتور إبراهيم شعبان المرشدى، فى كتابه: (الإيضاح لبيان ما أشكل من الأحاديث الصحاح): «90% من أحاديث صحيح البخارى لم يختلف أحد على صحتها، و10% هى موضع الاختلاف والنقد، والـ10% المختلف عليها يقول 10% من العلماء إنها غير صحيحة، ويقول 90% إنها صحيحة، فصار الحكم فيها مضعف لا ضعيف».
- فى صحيح البخارى أحاديث ظاهرها لا يقبله عقل، ويخالف القرآن والأخلاق والمنطق، والتعارض الظاهرى واقع فى القرآن والسنة، نستخدم مصطلح التعارض الظاهرى، لأن التعارض الحقيقى مدفوع ومردود.
- توجيه سهام التكفير لكل من ينتقد البخارى ويرفض أحاديثه، دعوة لا تخرج إلا من متعصب متطرف.
وفى الختام: فالكتاب «كاملات عقل ودين» فيه مجهود مخلص كبير، يستحق القراءة، كتبته مؤلفته من منطلق الدفاع عن الرسول من أن يُنسب إليه ما يسىء له، والدفاع عن المرأة التى لاقت ظلماً وتعنتاً وتضييقاً بسبب الأفهام المغلوطة، وتناولت مسائل تحتاج إلى متخصصين لمناقشتها، وأما مقالى فهو عرض سريع للكتاب، رأيت فيه أن الكتاب جدير لإلقاء الضوء عليه والتعريف به، لما فيه من مجهود كبير محترم لأستاذة كريمة.
نقلا عن الوطن