مودي حكيم
من أجمل الكلمات فى الكتاب المقدس: «هذا هو اليوم الذى صنعه الرب.. فلنبتهج ونفرح فيه».
وفى حديث شريف للرسول: «ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس».
أستشهد بقول الأنبياء والمرسلين، فى وقت زاد فيه عدد القلقين على ضآلة مواردهم المالية، مع ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار، ليتصدر قائمة مصادر القلق عند الأسر المصرية ويجعلها حبيسة الخوف من المستقبل، ورغم محاولات الدولة استقراء أوضاع المجتمع، وإيجاد الحلول، بالاعتناء بالأسر والأفراد من حيث توفير السكن والرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية، ومحاولة مجابهة القلق الشعبى، بالتأكيد على توافر السلع الأساسية وضخ كميات وفيرة منها يوميا، إلا أن المتصيدين وعدد المنتقدين للسياسات الاقتصادية فى البلاد زاد، متجاهلين معاناة الاقتصاد العالمى حيث أدى التضخم المرتفع منذ عقود إلى ضعف الإنفاق بعد الإغلاق بسبب جائحة كوفيد، ودفع البنوك المركزية فى العالم إلى رفع تكاليف الاقتراض، ومعه دخل ثلث الاقتصاد العالمى فى ركود، لأن الاقتصادات الثلاثة الكبرى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين، تتباطأ جميعا فى وقت واحد. وتباطؤ الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم له تأثير وخيم على الصعيد العالمى، بسبب سياسة بكين وإجراءات الإغلاق الصارمة لمواجهة فيروس كورونا، فعاش الملايين من الصينيين فى ظل نوع من الإغلاق، لدرجة مبالغ فيها، مثل إجبار العمال على النوم داخل المصانع حتى يتمكنوا من العمل أثناء الحجر الصحى، مما جعل الصين تتخلف عن باقى العالم، وأدى إلى تعطيل سلاسل التوريد، وإلحاق الضرر بتدفق التجارة والاستثمار.
كنت أتمنى أن يترجم ويبسط الأفكار والمشكلات كتاب الرأى للمواطن البسيط - باستثناء القليل منهم - ما حذرت منه رئيسة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجييفا فى مطلع العام، من أن العام الحالى 2023 سيكون الأصعب على الاقتصاد العالمى، للتخفيف حتى لا يقهر وتهدر طاقاته وكفاءته، وانصرافه عن شؤون المجتمع وطرده إلى حياته الخاصة فى معزل عن قضاياه وهمومه، فتتحول شعلة حماسه العام إلى نموذج منطفئ لإنسان مقهور ينكفئ على ذاته، تاركًا كل أسباب الانتماء والشأن العام برمته، مكتفيًا بما يقضيه من أيامه فى حياته الخاصة، وبالتالى يحجب المجتمع عن أى خطوة للأمام، ويزداد العنف، وروح الشر، ويخلو من الأخلاق، مع إرساء دعائم التخلف فى المجتمع.
فى الفترة الانتقالية، أهمل المثقفون دورهم فى خلق مجتمع آمن، ومواطن نافع لمجتمعه، وتركه فريسة لمنصات التخويف لشخصيات أطلق عليها مخزون الثقافة الشعبية «عواجيز الفرح»، الجميع يجتهد ويحاول التفنن فى خلق أجواء من الإحباط، بتسخير الجانب المظلم للتكنولوجيا، بنشر واستهداف المجتمع للتأثير فى المزاج العام بمنتج إعلامى يبث على مواقع التواصل، فى ظل انتشار الجهل المعلوماتى والثقافى الذى يقود إلى الميل الكبير نحو تصديق كل ما هو سيئ ومثير للبلبلة والجدل دون تدقيق، فالسوشيال ميديا تغير الأفكار والمعرفة، وتتحكم فى المواقف والسلوكيات، بشكل سلبى يلعب دورا عكسيا فى مرحلة النمو والانطلاق، بنشر القيم السلبية، واليأس والإحباط، ليعيش فى دائرة الشك والقلق والتوتر والترقب والتحفز، عاجزا عن التفاعل الإيجابى مع ما يمر به الوطن، ليتحكم المحتوى فى النهاية بالكامل فى تشكيل الرأى العام، ويخلق مزاجًا عاما عند جيل من الشباب، يميل للعنف والعصبية، سلبى التفكير، غير مبال بالانتماء، شباب يريد أن يترك البلد ويسير إلى عالم مجهول، حتى لو غرق ليدفع حياته ثمنًا.
ففى مثل هذه الأجواء يظهر عواجيز الفرح: هم طراز من الناس لا يعجبه العجب موجود فى كل فرح.. ومن آمالهم أن يتحول الفرح إلى مأتم، وبالتالى يتحول عواجيز الفرح إلى عواجيز مأتم، وليس من الضرورى أن يكونوا عواجيز فى السن.. وإنما من الممكن أن يكونوا عواجيز الفكر، والروح.. عواجيز الأمل، والحلم.. عواجيز الرؤية.. قلوب ضعفت، عقول تراجعت بلا طموح، إن مثل هذا النوع من العواجيز الشبان عالة على المجتمع.. آفة فى حقول الأمل الإنسانى.. عاهة فى الجسم السليم لمجتمعنا الشاب.
إنهم أناس تعرفهم فى كل مكان.. إنهم يتفرجون على الذين يعملون ويشتمونهم.. ويسخرون من دموعهم.. يرون أن إكسير الحياة هو التواكل والوصولية والسلبية، وليس العمل والعرق، والسخرية من كل من يقيم فرحاً أو مأتماً.. من يكسب شيئاً أو يخسر شيئاً.. إنهم يسخرون من العواطف الإنسانية ومن معنى الحياة، ومن أن يكون للحياة معنى، وأن يكون للمواطن هدف، ومن أن يكون للوطن كله هدف. شخصيات سلبية عاجزة، تأخذ ولا تُعطى، تستهلك ولا تنتج، مُعطَّل للطاقات، أينما ذهب لا يُحقق خيرًا، ولا يفيد أحدًا، يسحب الطاقة والإيجابية والمرح من حوله، أفاع بشرية وشخصيات سامة، يعتقدون أنهم يعانون وحدهم من مشاكل فى الحياة، تفكيرهم السلبى يعمل على جعل العالم المحيط فى شكل سوداوى ومتشائم، والسلبيون يحدثون أضرارا فى صحة أجساد من يتعاملون معهم، ومعرضون لخطر الموت المبكر.
العالم ألبرت أينشتاين ينصح «ابق بعيدًا عن الناس السلبية، هم يمتلكون مشكلة لكل حل»... والمثل الشعبى يشارك أينشتاين الرأى، بالقول «من جاور السعيد يسعد، ومن جاور الحداد ينكوى بناره».
إن أكثر الناس سخطا وغضبا هم الذين لهم صفات عجائز الفرح، لا فعلوا ولا ساهموا ولا يعجبهم شىء، ومن واجبنا ألا نعجب بهم وألا نسمع لهم، وألا نضاعف عددهم فى كل مناسبة.
نقلا عن المصرى اليوم