محمد أبو الغار
وصلنى هذا الكتاب من صديق فى أمريكا من تأليف وليم ستاديم، ونشر فى نيويورك منذ فترة. يقول الكاتب إن فاروق لم يترك مذكرات أو أى كتابات، ونادرًا ما كان يكتب خطابًا، ولم يكن له أصدقاء بمعنى الكلمة، وأقرب شخص له كان كهربائى القصر الإيطالى بوللى. وجميع الخدم والحرس من حوله لم يترك أحد منهم مذكرات. كذلك الصحف المصرية لم تكتب عنه، والصحف الأجنبية كتبت كثيرًا عن حياته الخاصة وبعض الفضائح. ولا توجد أى وثائق فى مصر عن الملك فاروق ممكن أن تساعد الباحث، وتوجد ملفات بسيطة فى الأرشيف البريطانى والأمريكى.

فى صيف 1952، كانت درجة الحرارة تتعدى الـ40، والملك فاروق كان يسكن فى قصر عابدين المكون من 550 حجرة، ومحاط بمنطقة سكنية معظمها فقيرة وبها أعداد من الغاضبين من اليساريين والإسلاميين. وكان الجميع مازالوا يتحدثون عن حريق القاهرة الذى دمر كل الممتلكات الأجنبية فى وسط القاهرة، ومنها فندق شبرد والسينمات والملاهى والمطاعم والمحلات الكبرى.

وكان فاروق سعيدًا عندما تم تحضير 200 شنطة سفر بمستلزمات الملك الشخصية مع عائلته، وذلك للسفر للإسكندرية، وكان الملك يعمل فى قصر رأس التين ويعيش فى قصر المنتزه بحدائقه العظيمة التى أطلق فيها بعض الغزلان. وكان فاروق قد أنجب ابنه أحمد فؤاد حديثًا من زوجته ناريمان ذات السبعة عشر ربيعًا. وكان هناك غضب شعبى عام منذ حريق القاهرة وأحداث الإسماعيلية، حيث أطلق الإنجليز النار على جنود الشرطة، فقتلوا عددًا منهم، ولكن فاروق كان واثقًا أن كل شىء تمام. وقبل شهر واحد ظهر فاروق على غلاف مجلة التايم الأمريكية، وكان عنده تفاؤل كبير وتحدث عن رحلة العزوبية مع أعداد من المرافقين لمدة 3 شهور فى أوروبا والإقامة فى أفخم الفنادق بمصاريف باهظة. ثم كرر نفس الرحلة بعد الزواج فى شهر العسل مع زوجته. كان فاروق قبل 16 عامًا شابًا وسيمًا والآن أصبح رجلًا ضخمًا بكرش كبير وسمعته كانت سيئة كمقامر وزير نساء. كان فاروق عنده أرق مزمن وكان نديمه فى السهر كهربائى القصر الإيطالى بوللى الذى أعجب به فاروق حين استطاع إصلاح قطاره الكهربائى اللعبة المكون من أكثر من 200 عربة. وكان فاروق شديد الاطمئنان على الوضع فى مصر، وكان يعتبر أن حريق القاهرة كان موجهًا للإنجليز وليس للملك. وكان الإنجليز يتحكمون فى أمور كثيرة عن طريق السفير مايلز لامبسون، ولكن الجيش البريطانى كان موجودًا فى منطقة قناة السويس فقط. وكان فاروق بالرغم من عدائه للإنجليز، يعتقد أنه من الممكن أن يستعين بجيشهم الموجود فى منطقة السويس لإيقاف أى انتفاضات شعبية. وكان السفير الأمريكى الجديد جيفرسون كافرى رجلًا أرستقراطيًا، واعتقد فاروق أنه سوف يعتمد عليه.

وكان هناك مجموعة من الضباط الأحرار الغاضبين بسبب هزيمة حرب 1948 وضعف تسليحهم وتدريبهم والأسلحة الإيطالية الفاسدة التى اشتراها الملك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وبدأ فاروق برنامجًا لإنقاص الوزن، ولكن كان يأكل 12 بيضة على الإفطار، وقطع علاقته مع أمه نازلى بعد أن سافرت إلى أمريكا وزوّجت ابنتها إلى دبلوماسى مصرى قبطى، ثم تحوّلت هى وابنتها من الإسلام إلى الكاثوليكية. وأرسلت أمريكا مندوب المخابرات الأمريكية، ولكن الملك لم يستمع لنصائحه.

وفى انتخابات نادى الضباط، نجح اللواء محمد نجيب، مرشح الضباط الأحرار، ضد مرشح الملك الذى قرر إلغاء الانتخابات، وكان الملك مطمئنًا أن شيئًا لن يحدث. وفى يوم 20 يوليو فى الإسكندرية، بينما كان يلعب على طاولة القمار جاءه تليفون عاجل من رئيس الوزراء، حسين سرى باشا، يخبره بوجود معلومات عن مجموعة من الضباط تنوى عمل شىء خطير، ولكن الملك أهمل المكالمة وعاد إلى القمار. وفى يوم 21 يوليو، قام بتغيير الوزارة وعين زوج أخته وزيرًا للحربية.

كانت المخابرات الأمريكية ترصد كل شىء فى مصر، وكانت قد فقدت الثقة فى فاروق، ولذا لم تتدخل لإنقاذه، وكان لديهم اعتقاد أن شباب الضباط سوف يسهل التفاهم معهم، والمخابرات الإسرائيلية كان تقديرها أن كراهية عبدالناصر والسادات لإسرائيل ليست قوية وأنهم يكرهون الملك الذى ورطهم فى حرب وهم غير مستعدين لها. ولم يكن فاروق يعلم شيئًا عن موقف المخابرات الأمريكية السلبى معه وأنها لو نجحت خطة الضباط لن تتدخل لإنقاذ الملك.

وخرج الضباط الأحرار فى منتصف الليل وحاصروا مقر قيادة الجيش بجميع اللواءات وأعطوا أوامر لجميع الوحدات بالانصياع لأوامر القيادة الجديدة. وعلم الملك فى الفجر بالأحداث، فقام بالاتصال بالسفير الأمريكى كافرى عدة مرات، ولكنه أجاب بإجابات دبلوماسية بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، وتحدث مع السفير البريطانى الذى قام بالاتصال برئيس الوزراء إيدن الذى لم يُجب إجابة قاطعة، فقام إيدن بالاتصال بالرئيس الأمريكى ترومان ووزير الخارجية أتشسون. وكان القرار الأمريكى قد اتخذ مع المخابرات مسبقًا بعدم التدخل لصالح الملك. وأرسل كافرى تليغرافًا إلى الخارجية الأمريكية، يقول فيه إن فاروق لم يستمع للنصح مرارًا وحان الوقت لعقابه. ورفض عبدالناصر محاكمة فاروق أو إعدامه وقال: لا أريد دمًا وأريد أن نبدأ حكمًا جديدًا دون دماء.

وصدر بيان موقع من اللواء محمد نجيب، يطالب الملك بالتنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد بسبب اعتدائه على الدستور، على أن يغادر البلاد فى نفس اليوم، وهو يوم 26 يوليو 1952. ووافق الملك على التنازل، ولكن كانت له شروط، وهى أن يصحبه على المحروسة نديمه أنتونى بوللى، وأن يحتفظ باليخت الملكى المحروسة، وأن يأخذ مجموعة الطوابع البريدية والعملات التذكارية القديمة ذات الأهمية التاريخية والثمن الباهظ، وأن لا يتم تأميم أراضيه هو وأخواته البنات. ورفض عبدالناصر جميع الشروط، وأجابه عن طريق على ماهر بأنه يكفى أن يخرج سليمًا من مصر. وأثناء تسليم ورقة التنازل فى وجود على ماهر، رئيس الوزراء، الذى يعرفه الملك جيدًا، حاول الملك أن يداعب على ماهر قائلًا: دفعولك كام؟ ولكن على ماهر لم يجب. وحضر أعضاء محكمة النقض لقصر رأس التين مع وثيقة التنازل التى وقعها الملك فى حضور جفرسون كافرى، السفير الأمريكى.. وهكذا انتهت حقبة من تاريخ مصر.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك
نقلا عن المصرى اليوم