أمينة خيري
فى كل ركن من أركان المعمورة، زمالك وبولاق، ومصر الجديدة وعزبة الهجانة، ومهندسين وإمبابة، ومعادى وشبرا. ووجود أحياء تصنف بـ«الراقية» وأخرى بـ«الشعبية»، ليس سبة فى جبين سكان قمة الهرم الطبقى أو انتقاصًا من أهل القاعدة.. إنها سُنّة الحياة وفريضة المدن. وغالبًا ما يبذل أهل القاعدة جهودًا ضارية طيلة حياتهم على أمل الاقتراب الاجتماعى والاقتصادى والجغرافى من أهل القمة. وحين يقترب أهل القمة نزولًا لسكان القاعدة يقال إن «الحال إتدحدر» بهم.
قد يبدو الكلام مناقضًا للصوابية السياسية والاجتماعية، لكن هذا هو الواقع، وهذه هى الحقيقة، وإلا لما «تغرّبت» الملايين على مدار عقود بهدف رفع مستواهم الاقتصادى ومن ثم الاجتماعى. صحيح أن ارتفاع المستوى الاقتصادى لا يرفع بالضرورة الاجتماعى، لكن «آدى الله وآدى حكمته». ومن يتابع أحوال المحروسة يعرف أن أحياء مدنها الكبرى باتت صعبة التصنيف؛ لأسباب كثيرة، منها تغيُّر التركيبة السكانية، بالإضافة إلى نمو أحياء وتجمعات سكنية جديدة نسبيًا شجعت فئات بعينها من المصريين على الزحف نحوها هربًا مما لحق بأحيائهم التقليدية. فمثلًا الكثيرون من سكان مصر الجديدة نزحوا إلى الرحاب والتجمع، ونسبة ليست قليلة من سكان المهندسين والدقى والعجوزة والمعادى هربوا إلى أكتوبر وزايد.. وهلم جرا. جزء من هذا النزوح والهروب يعود إلى الرغبة الإنسانية الفطرية فى صعود السلم نحو أعلى، بدلًا من شقة فى المهندسين، شقة أكبر فى زايد. وبدلًا من شقة فى مصر الجديدة، فيلا فى الرحاب.. وهلم جرا.
من جهة أخرى، فإن تحول العديد من هذه الأحياء «الراقية» أو حتى التى كانت مصنفة باعتبارها مقرًا للطبقة المتوسطة، وبحكم الزيادة السكانية الرهيبة، وأغلبها لدى البسطاء، والهجرة الجماعية المتصاعدة من الريف صوب المدن الكبرى.. أفقد هذه الأحياء تدريجيًا سماتها المميزة.
الكثير من أرصفة شوارع مصر الجديدة، على سبيل المثال لا الحصر، تحولت إلى أسواق شعبية لبيع المنتجات البلاستيكية والطرح والجوارب وبواقى التصدير. وأضيف فى هذا الصدد، تحولت أغلبية هذه الأحياء من الحفاظ على الطابع المعمارى، وتوسيع رقعة المساحات الخضراء، والحفاظ على الطابع المميز لها، إلى غلبة للخرسانة وعلاج المشكلات الناشئة عن الزحف السكانى والعمرانى بطلاء الواجهات ودفس المشكلات وترحيلها إلى الشوارع الداخلية، وذلك على مدار عقود.. هذه محاولة للرصد، وليست تقييمًا طبقيًا أو ترجيحًا لكفة طبقة على حساب أخرى، أو معارضة لأنظمة سياسية سابقة تجاهلت دورها فى التنمية والتعليم والصحة والثقافة.. إلخ.
وأعود إلى ظاهرة النزوح والهروب من العديد من الأحياء التقليدية صوب التجمعات السكنية الجديدة، وجانب كبير من السكن فيها يقوم على فكرة «الكومباوند»، وهى الفكرة التى تؤرق الكثيرين، معتبرين إياها فصلًا عنصريًا و«عنطزية» طبقية، وربما يُقبل عليها البعض فعلًا لتعويض نقاط نقص أو عِلّة، لكن البعض الآخر يلجأ إليها هربًا من فرض الأغلبية العددية أسلوب حياتها على الأقلية.. وللحديث بقية.
نقلا عن المصرى اليوم