الجزء الثانى: لاهوت بولس الرسول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[16] شخص المسيح فى لاهوت بولس الرسول
جزء ثالث : ربوبية  المسيح

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
كمال زاخر
السبت 12 أغسطس 2023
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

"ابن الله يسوع المسيح ربنا"
"ربنا يسوع المسيح"
"الرب يسوع المسيح"
"الرب يسوع"

التعبير الاول هو التعبير الكامل عن المسيح عند بولس الرسول، وقد تكرر بشكل متواتر بامتداد رسائله، لعشرات المرات بالتنويعات التى ذكرناها، وكذلك استخدمها الرسل والتلاميذ اصحاب الرسائل الجامعة (الكاثوليكون). وقد رصد الكاتب بشكل إحصائى استخدام الرسل والأناجيل لهذا المصطلح وتنويعاته.
والتعبير بالربوبية بمفهومها الإلهى، بحسب تتبع الكاتب، [ليس مقصوراً على رسائل بولس الرسول، فهو تعبير سابق عليه، وقد ورد على ألسنة الرسل والتلاميذ سواء فى سفر الأعمال أو الأناجيل، التى وإن كانت قد دونت بعد رسائل بولس الرسول إلا أن التعليم بها كان منذ حلول الروح القدس على التلاميذ.

غير أن بولس الرسول هو الذى صبَّ الربوبية كصفة إلهية فى قالبها الإلهى التقليدى ـ والتقليد هنا هو تقليد العهد القديم ـ باعتبار أن المسيح هو "يهوة (الله) ظهر فى الجسد"].

وفى تدقيق لاهوتى يوضح الكاتب أن [ربوبية المسيح فى كلمة (رب) ليست هى بعينها (الله) فى كلمة (يهوة) فى القديم، بل هى عملها ومكملة لها. فالمسيح أكمل مواعيد (يهوة)"، ويورد الكاتب مؤكداً وموضحاً ما سجله الرسول بولس "لأن مهما كانت مواعيد الله، فهو (المسيح) فيه النعم (الاستجابة والعمل) وفيه الآمين (أى ختام كل وعد) لمجد الله بواسطتنا (كخليقة خُلِقَتْ من جديد لتسبيح ومجد الله: (لمدح مجد نعمته التى انعم بها علينا فى المحبوب) (أفسس6:1) (2كو20:1).]

وينتهى الكاتب إلى أن هذا يعنى أن [بولس الرسول هو الذى أعطى التعبير الإلهى "المسيح رب" أهميته وطابعه بكامل مفهومه الإلهى الذى يعتبر محور الإبمان المسيحى ومرز العبادة الراسخ.]

وينتبه الكاتب وينبه القارئ معه إلى أن "المسيح هو أول من أشار بتركيز يوحى بفتح الوعى الإنسانى لقبول الحقيقة بقوله فى هذا الحوار الهادف والكاشف: "سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون فى المسيح؟ ابن من هو؟ قالوا له ابن داود، قال لهم (إذاً) فكيف يدعوه داود بالروح "رباً"؟ قائلاً قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فإن كان داود يدعوه "رباً" فكيف يكون ابنه؟" (متى 41:22 ـ 4).

ويواصل الكاتب "فلو فسرنا قول المسيح بكل دقة وفهم، فيكون المسيح هنا يوضح أن داود يدعوه رباً، وأن داود أعلن بالروح أن المسيح "رب" معادل فى ربوبيته لله بقوله "قال الرب لربى". وقوله "اجلس عن يمينى"، فالمقصود هنا هو التعادل اللاهوتى فى الاسم والكرامة، الذى اعتمد عليه بولس الرسول فى قوله "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله" (فى 6:2) والمسيح يصرح هنا أنه ليس ابن داود بل ابن الله: "فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟"، مع الانتباه للسؤال فى أصله الذى يسأله المسيح: "ابن من هو؟"، لأنه ـ والكلام مازال للكاتب ـ إن لم يكن المسيح ابن داود، وداود يدعوه رباً على التساوى فى الاسم مع الله ، جالساً عن يمين الله على التساوى فى رتبة الألوهة، إذاً يكون رد السؤال الذى سأله المسيح هو أنه ابن الله بالضرورة.    

ويستحضر الكاتب العديد من استخدامات بولس الرسول لكلمة "رب" فى وصف المسيح الإله كما كانت تستخدم فى التوراة بحسب الترجمة السبعينية، فى الاشارة الى "الله". تأسيسا على ما قاله المسيح نفسه عن نفسه، ويوضح الكاتب هذا "بولس الرسول يضع الإيمان بالمسيح على مستوى الإيمان بالله كما سبق أن قال به المسيح بالحرف الواحد: "أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى" (يوحنا1:14). وبولس يضعها هنا كمنطوق قانون إيمان، جاعلاً الخلاص والإيمان وربوبية المسيح وحدة واحدة لا تنفصم: "لأنك إن آمنت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الموت خَلصت" (رومية9:10)."

وهو ما سبق وقاله إشعيا النبى "لذلك هكذا يقول السيد الرب: هأنذا أؤسس فى صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية، كريماً، أساساً مؤسساً، من آمن به لا يخزى ... ويمحى عهدكم مع الموت، ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية" (إشعياء16:28و18).   

يعود الكاتب إلى ارسالية بولس الرسول ليؤكد أنها ليست من مصدر بشرى بل من "يسوع المسيح والله الآب".

ويذهب الكاتب إلى قديسى وآباء الكنيسة الأوائل الذين ادركوا أن هذا الوصف الذى يؤكد أن المسيح والله لهما عمل واحد؛ "وقد أخذ الآباء الكنسيون والقديسون الأوائل هذا التعبير من بولس الرسول برهاناً وتأكيداً على لاهوت المسيح، مبتدءاً من أوريجانوس ثم جيروم ثم ذهبى الفم الذى يقول فى شرحه لرسالة غلاطية: [بولس لم يترك أية فرصة للمماحكة، فذكر مرة واحدة الابن والآب "بيسوع المسيح والله الآب"، جاعلاً الكلمة تجمعهما معاً. هذا فعله لا لينسب عمل الابن للآب بل ليوضح بهذا التعبير أنه لا يوجد أى تمييز فى الجوهر (الطبيعة الإلهية).]

يشير الكاتب إلى أن [هذا الاعتبار فى وضع المسيح والله الآب على درجة واحدة فى العبادة أو الدعاء والتسبيح ليس جديداً، بل نسمعها وقد ابتدأت بالقديس توما الرسول "ربى وإلهى" (يوحنا28:20)، ورددها استفانوس وهو فى النفس الأخير على مستوى رؤية المسيح وهو فى المجد الأسنى:
(أيها الرب يسوع اقبل روحى)
(يارب لا تقِم لهم هذه الخطية)
(أعمال 59:7 و60).

ويعلق الكاتب "الملاحظ هنا أن ما ردده المسيح على الصليب مخاطباً الآب، ردده الشاهد الشهيد استفانوس مخاطباً المسيح.

ويعدد الكاتب تأكيدات بولس الرسول على هذا الربط وهذه المساواة، حتى فى ضيقة مرضه يصلى للرب يسوع ثلاث مرات متوسلاً أن ينال منه نعمة الشفاء، فاستجاب له المسيح، ولكن أعطاه نعمة الاحتمال بالروح والقوة عوض الشفاء بالجسد.

ويقدم الكاتب شهادات التاريخ التى تؤكد أن هذا كان ايمان الكنيسة الأولى، كذلك يسجل لنا المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى تاريخ الكنيسة؛ أن المسيحيين الأوائل كانوا يؤلفون التسابيح والأناشيد التى فيها يعظمون فيها المسيح كالله.

ومازال الحديث موصول عن "ألوهية المسيح" فإلى لقاء ....