يعاني عدد كبير من الجزر اليونانية التي تعجّ بالسياح صيفاً على غرار كوس في بحر إيجه، من نقص في الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، في انعكاسات للخلل المزمن الذي يطال خدمات الصحة العامة في البلاد.
عندما تعرض ابن شقيق ماريا لحادث سير الشهر الفائت في كوس (جنوب شرق)، تعيّن عليه الانتظار أربعين دقيقة قبل وصول سيارة الإسعاف الوحيدة في هذه الجزيرة الواقعة في أرخبيل دوديكانيز.
وتقول المرأة الأربعينية التي لم ترغب في ذكر كنيتها "كم حادث آخر ينبغي أن يُسجَّل حتى تدرك السلطات أنّ ثمة نقصاً في الطواقم والمعدات الطبية، وبخاصة في الصيف؟".
وكانت امرأة تبلغ 63 عاماً توفيت في حزيران/يونيو أثناء نقلها إلى الطوارئ عبر شاحنة صغيرة.
نقابة
وتعتبر رئيسة نقابة العاملين في مستشفيات كوس غاريفاليا كاراناسيو أنّ مشكلة نقص الأطباء في الجزيرة "مأساوية".
وتضيف في حديث إلى وكالة فرانس برس ان "الطواقم الطبية تواجه معاناة يومية. فأفرادها منهكون لأنهم يجبرون على العمل ساعات اضافية خلال الليل من دون الحصول على أيام راحة".
وتشير النقابة إلى أنّ تشغيل سيارة إسعاف على مدار الساعات الأربع والعشرين يستلزم وجود 11 شخصاً.
لكنّ هذه الجزيرة التي شهدت ولادة "أب الطب" أبقراط، لا تضم راهناً سوى سبعة أطباء طوارئ دائمين وثلاثة يعملون بشكل موقت وسيتقاعد اثنان منهم العام المقبل.
أما سيارتي الإسعاف الأخريين في الجزيرة، فلا تعملان بسبب النقص الحاصل في عدد الموظفين.
وتواجه أكثر من اثنتي عشرة جزيرة يونانية نقصاً مشابهاً، بينها أشهر الجزر السياحية وأفخمها مثل ميكونوس وسانتوريني في أرخبيل سيكلاديز.
وفيات
وخلال الشهرين الفائتين، لقي سبعة أشخاص حتفهم في وجهات سياحية بمختلف أنحاء البلاد بسبب النقص في عدد المسعفين أو تأخر وصول مَن هو متوافر منهم، على ما تؤكد عائلات الضحايا.
وفي جزيرة إيفيا قرب أثينا، توجّه رئيس بلدية يبلغ 75 عاماً بنفسه إلى المستشفى عقب إصابته بجلطة دماغية.
وللتعامل مع الحالات الطارئة، قررت الحكومة السماح موقتاً لعناصر الإطفاء أو الجنود أو موظفين في البلدية بالعمل كمسعفين.
لكنّ هذا الإجراء يقلق الطواقم الطبية العاملة في خدمة طوارئ "إكاف" العامة، التي تشير إلى أنّ المسعفين يجري تدريبهم على توفير الإسعافات الأولية، مؤكدةً أنّ الاستعانة بأشخاص غير مؤهلين يمثل خطراً كبيراً.
ويقول رئيس بلدية كوس تيودوسيس نيكيتاراس إنّ "الحلول الموقتة محدودة، ونحن بحاجة إلى حلول دائمة".
وتشدد السلطات الصحية على الحاجة أقله إلى ثلاث سيارات إسعاف لتغطية الاحتياجات الصحية لكوس التي تضم 40 ألف نسمة لكن تشهد ازدياداً كبيراً في عدد المقيمين خلال الصيف.
ومن الحلول المُقترحة الأخرى، نقل المرضى جوّاً إلى المستشفيات لكنّ ذلك يكلف بين 6 و20 ألف يورو لكل عملية نقل، بحسب غاريفاليا كاراناسيو.
وتضيف انّ "هذه الأموال يمكن استخدامها لإرسال طاقم طبي دائم إلى الجزيرة".
جعل رئيس الوزراء المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس الذي أُعيد انتخابه في حزيران/يونيو لولاية ثانية، إصلاح الخدمات الصحية ضمن أولوياته، ووعد بتوظيف عشرة آلاف شخص في هذا القطاع بينهم 800 مسعف.
لكنّ اتحاد موظفي المستشفيات يؤكّد أنّ هذا العدد لا يكفي لسد النقص الناجم عمّن تقاعدوا.
وتضرر المستشفى العام في كوس جداً من التخفيضات الكبيرة التي طالت الميزانية خلال الأزمة المالية في العقد الفائت.
صعوبات سكنية
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتردد الأطباء العاملون في القطاع العام في الاستقرار بالجزر البعيدة عن البر الرئيسي، مع ما تواجهه هذه الجزر من فصول شتاء قاسية وأماكن إقامة محدودة لأنّ أصحاب الشقق يفضّلون تأجير منازلهم للسائحين بأسعار أعلى.
وفي العام 2021، استقال الطبيبان المتخصصان في الطب العام في مستشفى كوس من دون تعيين طبيبين مكانهما.
ويقول نائب مدير المستشفى إلياس كريسوبولوس "ثمة سبع وظائف شاغرة حالياً لكنّ أحداً لم يتقدم للحصول عليها"، مؤكدا أن المستشفى يفتقر لأطباء متخصصين في القلب والأطفال والأشعة.
ولمواجهة الوضع الراهن، يُنقَل أطباء من مستشفيات أخرى في البلاد موقتاً إلى مستشفى كوس العام.