نيفين مسعد
في شهر يونيو من العام الماضي قمتُ بزيارة لكتاب اللغة العربية للصّف السادس الابتدائي، وكتبتُ للشروق مقالًا عن نتائج هذه الزيارة، وهذا العام أقوم بزيارة لنفس الكتاب لكن للصّف الأول الإعدادي، والفضل في ذلك يعود لحفيدتي أمينة التي أتابع تطورها في اللغة العربية من عام لآخر، وهو ما يسمح لي بتسجيل ملاحظات أتمنى لو تمّ النظر إليها ومناقشتها عند التطوير، وعلى حدّ علمي فإن التطوير لم يمتّد بعد للمرحلة الإعدادية وبالتالي فإن هناك فرصة للتصويب والمراجعة وتلافي السلبيات.
• • •
حمَل الكتاب المشار إليه عنوان "لغتي حياتي"، وقام بتأليفه ستة مؤلفين خمسة منهم يحملون درجة الدكتوراه وأحدهم أستاذ دكتور، أما لجنة تعديل المقرّر فتشكّلَت من خمسة أشخاص جميعهم يحمل درجة الدكتوراه وبينهم أستاذ دكتور. والكتاب الذي طُبع في عام ٢٠٢٢-٢٠٢٣ ينقسم إلى ثلاث وحدات، الوحدة الأولى عن القيم والسلوك، والوحدة الثانية عن عالم بلا حدود، والوحدة الثالثة بعنوان نحن والآخر. وفي تحليل الكتاب بوحداته الثلاثة سأركّز على ملاحظة واحدة هي الملاحظة المتكررة التي تتعلّق بغياب مفهوم المواطَنَة عن كتاب اللغة العربية.
• • •
في واقع الأمر لا أكاد أذكر مشروعًا من مشروعات مراجعة المناهج الدراسية التي شاركتُ فيها منذ تسعينيات القرن الماضي وفي ظل وزارة الدكتور حسين كامل بهاء الدين- لم يخلُص إلى ضرورة التمييز بين كتاب التربية الدينية الإسلامية الذي يدرسه التلاميذ المسلمون فقط، وكتاب اللغة العربية الذي يدرسه جميع التلاميذ مسلمين ومسيحيين، لأنه وبكل بساطة فإن هذا الكتاب غير ذاك. في كتاب التربية الدينية مفهوم أن يعرف التلاميذ المسلمون كل ما يتصّل بدينهم من عقائد وعبادات ومعاملات، أمّا كتاب اللغة العربية فالمفروض فيه أن يراعي النسيج الاجتماعي المصري وأن يتعامل مع التلاميذ بوصفهم مصريين لا بوصفهم مسلمين. وفي كل هذه المرات قلنا إن مؤسسة التعليم من المفترض أن تكون بوتقة وطنية لصهر الاختلافات بكل أشكالها الدينية والطبقية والجهوية، وأنه ما لم يتّم غرس الشعور بالمواطنة داخل المدرسة فلا أحد يضمن تفعيل نصوص الدستور والقوانين التي توالي الدولة تطويرها لتفعيل قيمة المواطَنَة. ومع كل ذلك فإن كتاب اللغة العربية للصف الأول الإعدادي مُزوّد بجرعة إسلامية عالية. فلو نظرنا إلى وحدات الكتاب الثلاث وحدةً بعد الأخرى، سنجد أنه في الوحدة الأولى ومن إجمالي ثلاثة دروس تتضمّنها يوجد درس عن تواضُع سيدنا عمر بن الخطاب، ودرس آخر عن أعمال الخير مستقى من حديث نبوي شريف حول أثر الكلمة الطيبة. وبالنسبة للوحدة الثانية التي تتكوّن من أربعة دروس يوجد درس عن قصص القرآن الكريم جوهره قصة سيدنا يونس عليه السلام مصحوبة بعشر آيات من سورة الصافات. أما الوحدة الثالثة التي تحوي ثلاثة دروس ففيها درس عن حق الآخر مدلّلًا عليه بأربع آيات من سورة الحجرات. وهكذا فمن إجمالي عشرة دروس تتوزّع على الوحدات الثلاث توجد أربعة دروس ذات حمولة دينية إسلامية وبما نسبته٤٠٪ من إجمالي المقرّر، وهذه أول ملاحظة.
• • •
الملاحظة الثانية أن كتاب الصّف الأول الإعدادي لا ينظر إلى التلميذ المسيحي، وإلا فما معنى أن يطلب المؤلفّون من التلاميذ البحث "في مكتبة المدرسة عن الآيات والأحاديث النبوية وأبيات الشعر وعبارات النثر التي تدعو إلى الصلح بين المتخاصمين.. ص ١٣؟"، المعنى هو أن التلاميذ من غير المسلمين لا بديل أمامهم إذا أرادوا الاستعانة بمصادر تحّثهم على حسن معاملة الآخرين- إلا الرجوع للقرآن والسنّة أو الرجوع إلى الأدب شعرًا ونثرًا، فما كان الضرر من توجيه التلاميذ للبحث في نصوص الإنجيل إضافة إلى المصادر المذكورة حتى يشعر التلميذ المسيحي أنه موجود ومرئي وظاهر في عدسة رجال التربية والتعليم؟. وفي نفس السياق عندما يتناول الكتاب قصة سيدنا يونس، ماذا كان يمنع من الإشارة إلى أن سيدنا يونس يُعرَف في المسيحية باسم يونان وأن صوم يونان عند المسيحيين يأتي بعد الصوم الكبير ويكون لمدة ثلاثة أيام على الأقل حتى يتعارف أبناء المجتمع الواحد ناهيك عن تعارف التلاميذ في نفس المدرسة؟ أما أكثر الأمثلة دلالة على تغييب غير المسلم وهو تغييب قد يكون بالمناسبة دون وعي- فهو حين يحدّد واضعو المقرّر أهداف الدرس الذي يحمل عنوان "حق الآخر" فيأتي ضمن هذه الأهداف أن يتعلّم التلميذ في نهاية الدرس أن "يكتب ملخصّاً للحقوق الواجبة على المسلم.. ص ٤٥"، فهل هذا كتاب في اللغة العربية أم في الدين الإسلامي؟ وما شأن التلميذ المسيحي بما يجب على المسلم وما لا يجب عليه؟ كذلك في الجزء الخاص بالأنشطة والتدريبات، يطلب واضعو المقرّر من التلاميذ أن يكتبوا بخطّي النسخ والرقعة "قم إلى الصلاة متى سمعت النداء.. ص ١١"، ومفهوم أن النداء مقصود به الآذان فلا نداء في المسيحية. كما طُلِب من التلاميذ أن يكتبوا "بالإسلام حُرّرت المرأة من التقاليد التي كبّلت حركتها.. ص ١٥"، وهذا أيضًا لا شأن للتلاميذ المسيحيين به. هذه الأمور يحلّها ترحيل الدين لكتب الدين، أما إن كان هناك تصميم على الاستعانة بالنصوص والقصص الدينية في كتب اللغة العربية فلا أقل من حفظ التوازن تعبيرًا عن التنوّع الديني للمصريين وتجسيدًا لواقعنا الاجتماعي .
• • •
الملاحظة الثالثة أن معظم دروس الوحدات الثلاث أشارت إلى أن القضايا المُتضَمَنة تشمل التربية على التسامح والسلام، وأحدها أضاف قضية حقوق الإنسان، وهذا المدخل أي مدخل التسامح والسلام وحقوق الإنسان كان يمكن توظيفه بمهارة لتأكيد لُحمة المصريين مسلمين ومسيحيين، وتجسيد معنى الوحدة الوطنية التي جرى استخدامها في غير موضعها. ففي الدرس الذي كان يعالج قضية الوحدة العربية والحدود المصطنعة بين دول المنطقة.. ص ١٨، جرت الإشارة إلى أن من مستهدفات هذا الدرس ترسيخ الوحدة الوطنية، ومعروف أن الوحدة الوطنية شئ والوحدة العربية شئ آخر، إذ تنطبق الأولى على أحد أشكال التفاعل بين المواطنين داخل حدود الدولة الواحدة، أما الثانية فتنصرف إلى أحد أشكال تنظيم العلاقات بين الدول العربية وبعضها البعض. وفي حدود ما قرأتُ في كتاب "لغتي حياتي" فإن المرة الوحيدة التي يمكن أن تُفهَم منها الإشارة لغير المسلمين كانت في مطالبة التلاميذ بوضع علامة ✔ أو أمام عدة جمل منها جملة تقول "تجوز الصدقة للمسلم فقط"، وهذا استمرار للمنهج الديني في مخاطبة التلاميذ لأن تنظيم مصارف الصدقة ومَن يستحقها ومَن لا يستحقها لا علاقة له بقضية المواطنَة.
• • •
ختامًا نتمنى أن يأخذ مطورو مقرّرات اللغة العربية هذه الملاحظة بعين الاعتبار وأن يجعلوا ما يخصّ الدين في الدين وما يخصّ اللغة في اللغة، فلا أحد يعترض على ترسيخ العقائد والعبادات والمعاملات الإسلامية والتنشئة عليها، لكن كل المطلوب هو أن يتم ذلك بعيدًا عن كتب اللغة العربية.
نقلا عن الشروق