حمدي رزق
من كنوز «ماسبيرو» مسرحية «إلا خمسة»، مسرحية كوميدية إنتاج عام ١٩٦٣، من إخراج عادل خيرى وبطولته، ومارى منيب، وسعاد حسين وعدلى كاسب..
اشتقاقا، مسرحية «إلا عشرة» تقدم على مصعد الحياة بنجاح لافت، راجع كومكسات ونكات ومفارقات «تخفيف الأحمال»، وعلى «رأس الساعة»، الحكومة الطيبة تمد الساخرين بمدد لا ينضب من المادة الخام للسخرية.
سَاخِر (اسم) بمعنى لاَذِع يَتَضَمَّنُ الهِجَاءَ الضَّاحِكَ كم القلش على «تخفيف الأحمال» بمعنى قطع الكهرباء يخفف كثيرا من القيظ والغيظ، ترويح نفسانى أفضل من المراوح على القلب.
الطيبون دوما قادرون على تحويل كل مشقة إلى قفشة، والقفشة فى الفضاء الإلكترونى إلى نكتة، وكله كوم ودعاء ركوب المصعد كوم، وفى خضم التدافع الدرامى على المصعد يستعيدون إفيهات فيلم «بين السماء والأرض»، تفجرت ينابيع السخرية أمام المصعد الشمال..
شعب جميل يضحك وكأنه فرحان ومزأطط، استمتع بخفة الدم، وتمعن فى حكمة هذا الشعب، دعك من ثقيلى الظل الذين يحولون «تخفيف الأحمال» إلى «ثقل الأحمال»، وتعلم كيف يعالج الطيبون «أحمالهم الحياتية» بالابتسامة، والقفشة، لا يلعنون الظلام بل يغردون تمنيا عودة الكهرباء.
الشعب المصرى يذهلك من قدرته على «الاحتواء الحياتى»، يهضم المشاكل الطارئة بأريحية تامة، لا يقف متأففا أمام المصعد، يلحق به وهو يلهث، ويلقى نكتة على السابقين قبل أن يجفف عرقه، ويتمتم بدعاء الركوب.
هذا الشعب الطيب ترضيه تاخد عينيه، تداويه يدعيلك بالصحة، تستره يتمنى لك الستر، شعب صابر وقانع وغلبان قوى وعاوز يربى عياله، ويستّر بناته، وفى الدنيا منيته أربع حيطان يتدارى فيها من غدر الزمان.
الشعب المصرى، لمن خبر معدنه، شعب أصيل، من الأصالة، يعرف الفضل لأهل الفضل، شعب يعرف العيبة ويحترم الشيبة، يميز الطيب من الخبيث، ويحب الحب فى أهله، ويستشعر الكره من أهله، ويأنف الكذابين، ولايزال قابضًا على جمر الوطن، صابرًا محتسبًا، وإن جاع وإن تعرى سماء مصر تظلله، وعناية الله جندى.
شعب يضرب الأمثال جميعًا، نموذج ومثال، شعب راضٍ بالقسمة والنصيب والمقدر والمكتوب، وشعاره «اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، شعب تفرحه انتصارات شبابه يرى فيهم حلمه الأخضر، ويرقص على الطبل البلدى حبًا فى أغلى اسم فى الوجود، ويقف زنهار تحية للعلم، وتدمع عيناه على أغنية «يا حبيبتى يا مصر».
شعب جميل قوى محب للحياة، وضحكته مجلجلة، يقهقه فى وجه الزمان الصعب، ويغنى يا صباح الخير ياللى معانا، وإن أحب عشق، وإن عشق يعشق قمر، شعب مفطور على الحنية، والحنية شعور يعرفه أصحاب القلوب الطيبة.
ولا عمره اشتكى ولا قال آه، يضحك من جوه قلبه وملء شدقيه، ويسخر حتى من ألمه، وفى شدته محتسب، وفى فرحته مبتهج، ربنا يارب يسعد قلب من يريح قلبه ويؤمن عيشه ويرسم مستقبل أحفاده.
وفى الأخير، شتان بين عموم شعب الطيبين الساخرين بلطف، وجفاء نفر عاق من العقورين، صارت بضاعة البعض من جلدتنا تلويم الطيبين على صبرهم، للأسف يتترون فى وحل أنفسهم، وينصبون أنفسهم قيّمين على شعب علّم الأقدمين.
نقلا عن المصرى اليوم