صلاح الغزالي حرب
بعد خبرة طويلة قاربت الخمسين عاما في مجال علاج مرض السكر أشعر بالقلق والحزن على المصابين بهذا المرض الذي ينتشر بسرعة في مصر والعالم العربى، ومن أسباب القلق أنى لاحظت أن معظم المرضى لا يعرفون شيئا عن طبيعة المرض ويكتفون بالعلاج ومنهم من لا يواظب على زيارة الطبيب دوريا لعدم وجود أعراض مرضية – والمعروف أن هذا المرض غالبا لا تكون له أعراض واضحة – ومنهم من يرفض العلاج ويكتفى بمنع معظم أنواع الأطعمة فيفقد الكثير من وزنه خوفا من العلاج! وآخرون يلجأون إلى الأعشاب وبائعى الوهم والنصابين حتى تظهر عليهم مضاعفات المرض الخطيرة بعد فوات الأوان، وفى رأيى أن السبب يرجع في المقام الأول إلى أن المريض المصرى لم يتعود على سؤال الطبيب عن طبيعة المرض وماهية العلاج، كما أن الكثير من الزملاء الأطباء يكتفون بالتشخيص وكتابة العلاج، ولذلك أناشد زملائى في هذا التخصص أن يخصصوا الزيارة الأولى لشرح طبيعة المرض الذي يلازمه طوال حياته وكذا الهدف من العلاج.

وسوف أبدأ بالتأكيد على أن الدراسات العلمية الأخيرة أعلنت أن هذا المرض أصبح من أسرع وأخطر الأمراض انتشارا في العالم في القرن الواحد والعشرين، حيث بلغ عدد المرضى بحسب إحصائية الفيدرالية الدولية للسكر نحو 537 مليون مريض، والعدد مرشح لأن يصبح 783 مليونا في عام 2045، وللأسف فإن مصر ودول الخليج العربى من أكثر الدول التي ينتشر فيها هذا المرض، الذي أصبح هو تاسع أسباب الوفاة على مستوى العالم، بعد أن كان في المركز الثانى عشر حتى عام 2019، كما أصبح العامل الأساسى لحدوث أمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية وأمراض الكلى، وكذا إصابة شرايين العين والأطراف والأعصاب الطرفية، بالإضافة إلى أن عمر المصاب بالنوع الثانى من السكر (40- 60 عاما) يكون عادة أقل من غيره بنحو 6 أعوام على الأقل.. ومن ناحية أخرى فإن هناك 45% من مرضى السكر الذين لا يعلمون بإصابتهم (واحد من كل اثنين مصابين بالسكر في الولايات المتحدة) كما أن حالات ما قبل السكر أصبحت هي الأخرى معرضة لإصابات شرايين القلب.

ولهذا كله فإننى أطالب بإعادة الحياة إلى مشروع الكشف المبكر عن السكر الذي بدأته مع وزير الصحة في ذلك الوقت الأخ الفاضل أ. د محمد عوض تاج الدين، وتم الكشف على ما يزيد على 150 ألف مواطن في محافظات مصر لاكتشاف حالات ما قبل السكر وكذا حالات السكر والتى لا يشعر بها المواطن، وبذلك يمكن أن نحد من سرعة انتشار المرض.

ننتقل الآن إلى بعض الأبحاث العلمية الأخيرة الخاصة بمرض السكر:
1) دراسة من جامعة إستيرن في فنلندا ونشرت في 24 إبريل الماضى عن أهمية إجراء أشعة دوبلر على شرايين الرقبة في الأطفال والشباب الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وثبت أن هناك علاقة بين درجة تصلب هذه الشرايين واحتمال الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائى والتى تشمل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر بالدم وزيادة دهون الجسم حول الوسط مع مستويات عالية من كوليسترول ودهون الدم، وقد ثبت أن هذه المتلازمة توجد في 29% من الأطفال الذين يعانون السمنة في فنلندا، كما كانت النسبة في الذكور 8.8% وفى الإناث 2.4% عند عمر حول 24 عاما.. وبالاكتشاف المبكر لهذا التصلب يمكن تأخير ظهور السكر من النوع الثانى نتيجة زيادة نسبة الأنسولين (نتيجة مقاومة الأنسولين) وكذا مستوى كوليسترول ودهون الدم..

2) دراسة بالاشتراك مع مركز جوسلين بجامعة هارفارد نشرت في 25 مايو الماضى عن أهمية ممارسة الرياضة في علاج مرض السكر، وقد تبين أن الفائدة تكون أكبر عند الممارسة في فترة ما بعد الظهيرة حيث انخفضت نسبة السكر بدرجة أكبر في هذا التوقيت وقد اشترك في البحث أكثر من 2400 فرد

3) دراسة منشورة في 27 ابريل الماضى عن استخدام خلايا جذعية من جدار المعدة لعلاج السكر وقد اعتمد البحث على حقيقة تجاور نمو المعدة مع البنكرياس في الجنين وكذلك وجود خلايا تفرز هرمونات في جدار المعدة، كما أن هذه الخلايا يمكن الحصول عليها باستخدام منظار المعدة ثم يتم تحويلها إلى خلايا تفرز هرمون الأنسولين وهو ما قد يساعد في علاج النوع الأول من السكر.

4) بحث منشور في (جاما) في 25 مايو الماضى يظهر أن هناك علاقة بين حالة ما قبل السكر وهشاشة العظام في السيدات مما قد يؤدى إلى الكسر بنسبة 12% مما يؤكد أهمية اكتشاف والتعامل مع كل حالات ما قبل السكر بجدية منذ اليوم الأول..

5) في دراسة حديثة اشتركت فيها جامعة هارفارد ثبت أن شرب الماء والشاى والقهوة هو أكثر أمانا من تناول المشروبات المسكرة حيث قلت حالات الإصابة بالنوبات القلبية وحالات الوفاة.

6) في دراسة حديثة نشرت في المجلة الطبية الإنجليزية وأجريت على 298 مشاركا تبين أن إنقاص الوزن في بداية ظهور مرض السكر قد يؤدى إلى اختفائه حتى 5 سنوات بعد تناول طعام لا يتجاوز 800 سعر حرارى فقط يوميا.

7) دراسة صادرة من جامعة أدنبره ومنشورة في 6 إبريل الماضى عن اكتشاف طريقة جديدة لاكتشاف استعداد الشخص للإصابة بالسكر من النوع الثانى قبل ظهوره بعشر سنوات وهى تعتمد على فحص الحمض النووى (دى إن إيه) بالدم أو اللعاب واكتشاف تغير كيميائى بالحمض ينبئ بظهور المرض مستقبلا وهو ما يقلل من احتمالية الإصابة بالمضاعفات فيما بعد.

8) وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على دواء يؤخر ظهور السكر من النوع الأول تحت اسم (تابليزوماب) والذى يقى البنكرياس من مهاجمة الجهاز المناعى له وبالتالى يؤخر ظهور المرض لعدة سنوات وهى فرصة لنمو بنكرياس الطفل وبالتالى يخفف من حدة المرض وهو مسموح به في الشباب والأطفال من سن 8 سنوات.

9) دراسة صادرة من جامعة تكساس ومنشورة في 24 مايو الماضى عن وضع خريطة للمخ توضح مجموعات من الخلايا تتأثر بارتفاع نسبة الجلوكوز بالدم واستطاعوا تحديد منطقة يطلق عليها باللاتينية (المكان الأزرق) في المخ وهو يتميز بإفراز كميات من هرمون النورادرينالين وهو أحد الموصلات العصبية المسؤولة عن اليقظة والتذكر والاستجابة للتوتر وهذه المنطقة ومناطق أخرى صغيرة تتأثر بتغيرات السكر وهناك جهود لعمل خريطة للمخ مع إمكانية توفير علاجات خاصة بالتعامل مع هذه المناطق بالمستقبل..

وتتبقى أخيرا معلومة مهمة عن أنواع مرض السكر:

النوع الأول من السكر ينقسم إلى 3 مراحل.. الأولى ظهور أجسام مضادة لخلايا بيتا في البنكرياس والثانية زيادة بسيطة في نسبة السكر بالدم بدون أية أعراض ثم المرحلة الثالثة والتى تظهر فيها كل الأعراض بسرعة من كثرة التبول والعطش والإرهاق الشديد ونقص الوزن وغيرها، كما أن هناك مرحلة ما قبل الأولى وهى تتميز بتغيرات جينية في كروموسوم رقم 6 بالخلية..

النوع الثانى ينقسم إلى 4 مراحل..الأولى وهى مقاومة هرمون الأنسولين وفيها تقاوم العضلات والدهون وخلايا الكبد دخول الأنسولين إليها مما يؤدى إلى زيادة إفراز الهرمون من البنكرياس للحفاظ على مستوى السكر بالدم والمرحلة الثانية وفيها تزيد المقاومة ضد الأنسولين في حين تضعف قدرة البنكرياس على إفراز الهرمون فترتفع نسبة السكر بالدم ولكن ليس إلى حد تشخيص مرض السكر (ما قبل السكر) وفى المرحلة الثالثة تزيد نسبة السكر بالدم ويتم تشخيص المرض، وفى الرابعة تظهر مضاعفات المرض على شرايين القلب والمخ والكلى والعين وغيرها.
نقلا عن المصرى اليوم