مودي حكيم
مع انبثاق العالم الجديد، والتنافس العالمى على الهيمنة وظهور حكام جدد للعالم، العالم الذى تحكمه إمبراطوريات الشركات الاقتصادية، حكمًا خفيًّا بالمال والسيولة المادية والذكاء الاصطناعى، فيعطيها قوة وقدرة تحكّم ليس فى اقتصاد العالم فقط، بل فى سياساته، سلاحها التكنولوجيا بخيرها وشرها.
تحدث واحد منهم، إيلون ماسك، أحد أبرز عمالقة التكنولوجيا، المدير التنفيذى لـ«تويتر» وشركة تسلا وسبيس إكس، واحد من أغنى الرجال فى الكوكب، شركاته تركز على الذكاء الاصطناعى، تحدث عن مشروعه الخاص بربط العقل البشرى بأجهزة كمبيوتر، ومن ثَمَّ الوصول إلى حلم العلماء، أى التحكم فى الأدمغة البشرية عن بُعد، وتوجيه البشر كيفما يريد البعض.
لقد حذر الثعلب العجوز، الدبلوماسى هنرى كيسنجر، وهو مشرف على عامه المائة، من مخاطر الذكاء الاصطناعى على العالم، فالثورة التكنولوجية تعادل نفس الخطر الذى تمثله الأسلحة النووية. والكارثة الكبرى تأتى عندما يقترب الذكاء الاصطناعى من العقيدة والدين، وخاصةً الممارسات الدينية فى هذا العصر. بعد أن باتت دُور العبادة تذهب للإنسان.
وأصبح للروبوتات فى اليابان دور فى العبادة، ولأن الأخلاق هى الوجه الأكثر تعبيرًا عن الفكر الدينى، فالخوف أن يكون الذكاء الاصطناعى مهددًا للدين وليس محفزًا له، وخاصة بعد تصريح البعض من أنصار الذكاء الاصطناعى، عن ممارسات دينية، اتخذوها ذريعة لتعزيز دور الروبوتات فى العبادة.
فقد ورد فى تقرير أن المسلمين المتدينين يستخدمون تطبيقات تكنولوجية ذكية تحفظ لهم اتجاه القبلة حيث ينبغى الصلاة، ومن هنا يثور التساؤل حول المانع المستقبلى من قيام الذكاء الاصطناعى بدور واسع فى عالم الروحانيات والتوسط بين البشر والسماء.
لقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعى مقطعًا سخيفًا أثار جدلًا كبيرًا، واستياءً، وتفاعل المغردون والمعلقون،.. وبصرف النظر عن حقيقة مشهد الفيديو وصحته وفحواه كإشاعة انتشرت كالنار فى الهشيم، فهناك محاولات تستهدف تشويه أحكام ومبادئ الأديان، وتحطيم الجذور الثقافية والحضارية للشعوب، والترويج لأفكار ونظم حديثة مدفوعة بقوى المال والسياسة من حكام العالم الجدد لتغيير منظومة القيم العالمية للتحكم فى شعوب العالم.
القرن الماضى استطاعت أجهزة التليفزيون فى الولايات المتحدة الأمريكية أن تنقل شعائر العبادة صباح كل يوم أحد، من مكان مختلف، عبر أرجاء البلاد، وبعد أربعة عقود، صار هناك واقع إيمانى جديد، تمثل فى ذهاب الكنيسة إلى البيت، عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعى، ولم يعد مثيرًا أن يطلب منك الواعظ أو المبشر أن تضع يدك على التلفاز وأنت فى بيتك، علامة على التواصل الروحانى مع المصلين.
وفى مارس 2019، شهد معبد كودايجى البوذى الواقع فى مدينة كيوتو اليابانية حدثًا مثيرًا غالبًا ما سيؤسس لعالم مختلف ضمن دائرة الذكاء الاصطناعى. كان التوقيت هو موعد العبادة التقليدية، حيث اجتمع شمل جمهور واسع من الكهنة البوذيين بأزيائهم البرتقالية الزاهية الواسعة، وقاموا بإزاحة الستار عن تمثال إله الرحمة فى الديانة البوذية «ميندار».
جرى العرف فى تلك المعابد على أن تُصنع تلك الآلهة من الرخام أو الأحجار الكريمة النادرة، غير أن المفاجأة هذه المرة تمثلت فى أن الإله البوذى لم يكن سوى «روبوت» لديه جهاز استشعار طريف الشكل فضى اللون. وهنا يكمن الخوف على الأديان والعبادات، حال تطور الذكاء الاصطناعى، مما يدعو إلى التساؤل عن الدور المنوط بالروبوتات فى عالم الغد، على صعيد المباشرات الإيمانية والطقوسية!.
تحدث «ماسك» عن مخاوفه الشخصية من الذكاء الاصطناعى، وحذر كثيرًا منه، ولاسيما أنه يرى أنها تقنية يمكن أن تكون خطرًا على وجود الإنسان، وأنه يجب أن يتصدى لها، ذلك أنه من المحتمل أن يتحول هذا الذكاء إلى خطر داهم يفوق خطورة الأسلحة النووية، وربما يصل المشهد ذات يوم إلى حد أن نرى الروبوتات تسير فى الشوارع وتقتل الناس، وساعتها ستكتشف البشرية أى خطر أقبلت عليه.
ولعل أفضل وصف أطلقه إيلون ماسك على الذكاء الاصطناعى قوله إنه ديكتاتور خالد لن يتمكن البشر من الهروب منه، وبخاصة فى ظل احتمالات تتراوح بين 5 و10 فى المائة فقط لجعل الذكاء الاصطناعى آمنًا. أما جيفرى هينتون أحد الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعى فقد حذر من أخطاره عندما ترك منصبه فى شركة «جوجل» العملاقة فى مطلع مايو الماضى.
وشدد عبر صحيفة «نيويورك تايمز» على أن التقدم فى قطاع الذكاء الاصطناعى يشكل «أخطارًا جسيمة على المجتمع والإنسانية». كابوس الذكاء الاصطناعى المستوحى من عدد لا يُحصى من أفلام الخيال العلمى، عندما تتفوق الآلة بقدراتها على البشر وتخرج عن نطاق السيطرة. الفيلسوف السويدى نيك بوستروم يتخيل أنه ستأتى اللحظة الحاسمة عندما تعرف الآلات كيف تصنع آلات أخرى بنفسها، مما يتسبب فى «انفجار فى الذكاء».
هل كان كيسنجر على حق حين حذر من نهاية العالم؟. لهم آذان ولا يسمعون وعيون ولا يبصرون.. هذه هى حال العالم. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إن العلماء والخبراء دعوا إلى التحرك، وأعلنوا أن الذكاء الاصطناعى تهديد وجودى للبشرية، لا يقل عن الحرب النووية، مؤكدًا: «يجب أن نأخذ تلك التحذيرات بجدية بالغة».
الصراع على مَن يحكم العالم هو المنافسة على مَن يتسيّد صدارة مشهد الذكاء الاصطناعى بين الولايات المتحدة الأمريكية، القطب القائم، وبين الصين، القطب الوافد.
نقلا عن المصري اليوم