بقلم: نبيل المقدس
تُعتبر ترنيمة " بارك بلادى ... ياسامع الصلاة " هي الترنيمة الوطنية المناسبة والتي رددها المسيحيون في ميدان التحرير إبان ما يُقال عليها ثورة 25 يناير . كان يأمل مرددوها المسيحيين أنهم وجدوا خلاصهم الأرضي , وانهم علي ابواب نوال حقوقهم , والإنتهاء من هذا الظلم والذي كان يتمثل وما يزال مستمرا في ممارسة العنصرية من الجماعات الإسلامية المتشددة بجميع انواعها ضدهم , من حرق كنائس , وقتل شباب مسيحي في ليلة الأعياد , وإختطاف بنات قبطيات قاصرات , ونهب وسلب المحلات المسيحية والمتخصصة في بيع الذهب , وإغتصاب اراضي مسيحيين , وتهجير أصحاب البلد إجباريا .. كل هذه الأعمال الخسيسة كانت تتم تحت شعار ديني وآيات مقدسة تؤمن بها هذه المجموعات المتطرفة , وفي نفس الوقت يتبرأ منها أغلب المسلمين ذوي الإيمان الوسطي , والذي تعرفه مصر من زمن , وتربينا وترعرعنا سويا علي مباديء هذا الإيمان والعُرف , حتي كنا لا نعرف التمييز بين مَنْ هو المسلم ومَنْ هو المسيحي . علينا أن نعترف أن هذا الإسلام الوسطي الذي نعرفهُ و يعتنقهُ أغلب إخوتنا المسلمين لم يبدأ إلا في بداية عصر النهضة , والذي يقول غير ذلك فهو مزورا للتاريخ . لكننا كمسيحيين نعتز بهذه الفترة القصيرة و الجميلة مما جعلتنا نغفر وننسي ونلقي في وسط أعماق البحار ما لاقوه أسلافنا من آلام وإضطهادات ونبذ قبل عصر محمد علي ..!
لكن هبت الرياح بما لا تشتهي السفن ..ففي السبعينات من القرن الماضي توالت علي المسيحيين جميع انواع القمع والذل في جميع الإتجاهات ولولا وجود الكثير من إخوتنا المسلمين الأحباء وتضامنهم معنا كان زماننا في خبر كان .. فالله مد يديه إلي احبائنا المسلمين لكي يصدوا غدر هؤلاء المتطرفين عنا, حتي انهم ايضا بدأوا يتذوقون منهم المشاكل والقيود وعدم الحرية , وهذه الصفات تغاير تماما طبيعة المصري المسلم والمسيحي معا. فنحن شعب نعشق الحرية .. شعب يحب الفن وراحة البال والحب .. شعب من جذور مصرية قديمة مهما مرت عليهم ثقافات أو أديان مختلفة , لا تتغير سماتهم .
ما جعلني أكتب هذه المقدمة والتي كدنا نمل منها لتكرارها.. هى هذه المسخرة التي حدثت في محافظة المنيا منذ ايام تحت نظر الشرطة والمسئولين الذين وقفوا مكتوفي الأيادي , لا حول ولا قوة لهم .. أمام مجموعة التتار السلفيين الذين تصدوا وأوقفوا حفلا أقاموه فريق " قلب مصـــر "الذي يتكون من شباب متنور ومؤمن بمصريته الأصيلة , وتحتوي برامجهم علي بعض التواشيح الدينية الإسلامية , والأغاني الفولكلورية المصرية وبعض الترانيم المسيحية التي تشير لنصرة مصر ومباركة شعبها .سنابل ذهب من الشباب والشابات اصروا أن يعيدوا بناء مصر القديمة ويبدؤا عصرا حديثا من جديد لكنهم فشلوا نتيجة وجود بعض سنابل الزوان زُرعت بقوة شيطانية في وسطهم و نجحت فعلا فى خنق هذه السنابل الخالصة اليانعة وتقضي عليها .
بدأ هؤلاء التتار الهجوم والتصدي لهذا الحفل الراقى .. عندما وصلت علي أسماعهم ترنيمة :
بارك بلادي .. ياسامع الصلاة في قلوب البشر .. بارك بلادي .. إلتفت لصراخ قلوبنا وارسل لينا المطر .
وكأن زلزالا زلزل حواس ومشاعر السلفيين .. فأسرعوا يروجون إشاعات لدغدغة مشاعر المسلمين بأن هدف هذا الإحتفــال ما هو إلا مصيدة لمسلمي المنيا للدخول في الحظيرة المسيحية . أي انهم تصوروا أن مثل هذه الحفلات التي تقوم تحت رعاية مسئولين بالمحافظة , وبتراخيص منها , وبتصاريح من الجهات المعنية .. هي عبارة عن حفلات تبشيـــرية . واضح أن هذه الترنيمة والتي أحب أن أطلق عليها "النشيد الوطني لثورة 25 يناير" أصبحت فزاعة للسلفيين لأنها لا تُعبر عن ما يحتويه دواخلهم من كراهية نحو الآخر من المسيحيين والمصريين عموما .
ألست أنت يا سلفي ؟ ابان ثورة 25 يناير الذي رفع يديه إلي السماء مع شباب الثورة الأصليين وطلبت معهم من إلهك أن " يشق لك بحور النظام القديم , لأنه هو وحده القادر علي كل شيء مهما كان الحال , كما فعل علي حسب ايمانك ايضا أن الله شق البحر لكي يتيح قوم موسي أن يهربوا من بطش فرعون .. أليس انت يا سلفي الذي تؤمن بأنه مهما كانت علي الأرض "ضلمة" من الظلم والعبودية والفقر , فإيمانك بألله يُوحي لكم أن هناك أمل من النور لأن النور يملأ السماء مهما كانت الأرض "ضلمـــة" . ألا تؤمن يا سلفي لولا مناداتنا له وصراخنا إليه التي كانت تدوي كزئير الأسد في الميدان هي السبب في إسقاط النظام الذي كنت اول مَنْ إستفاد منه لتصفية حسابات قديمة بينك وبين النظام "المخلوع" كما أطلق الشعب الثائر هذا الإسم عليه .. فأخذت أنت ومجموعاتك تنشدون مع إخوتكم شركاء الوطن مقاطع من هذه الأنشودة الجميلة :
**مهما كان الحال ..هتقدر يا إللي بتشق البحـور .... مهما كان ع الأرض ضلمة , السما مليانة نور.
زي ما جالك نحميــــــــا .. بالبكــــاء ونادي عليك .... كلنــــا جايين بنصـــــرخ يـــــــــارب مد ايديك .
** في الخيام يعلي هتافنا نرفع العلم السمـــاوي .... الرب بيجهز نفوسنـــــا والعدو جرابه خــــاوي.
ينهض النايـــم ويسمع النـــــدي انتم شهـــــودي .... وكلنــــا من قلب واحــــد نطلبك بـــارك بــلادي.
والآن وبعد ما طَفَوّتُمْ علي وش الدنيا , وبعد غياب عن الحياة سنوات في قبور المجهول , تحولتم بكل قوتكم المملوءة غدر وكراهية إلي إخوتكم في الوطن مسلميها ومسيحييها .. إستغليتم نقطة الدين وعواقب من يخالف شريعتها في فزاعة هذا الشعب المتدين أكثر منكم بمراحل .. فهم لم يتعودوا علي الكراهية .. بل تعودوا علي المشاركة والتلاحم مع أخوتهم في الوطن .. لم يفكــروا لحظة في هدم أو إغتصاب و هجوم علي مباني تختص بعبادات الآخر .. بل بالعكس كانوا يباركونهم ويدشنون معهم هذه الأبنية ... الآن وبعد هذه الفترة من الزمن تأتون بكل همجية علي الأقلية مستغلين نقطة ضعف المسلمين في حبهم لديانتهم واسلامهم لكي تحولوا محبتهم لنا إلي كراهية . وتنشرون كذبا وبهتانا انه بمجرد أن الإحتفالات المشتركة بين الإخوة المختلفين في الديانة والمشاركين في الوطن ماهى إلاّ نداءات تبشيـــرية مسيحية ... !
أللهم لا تصمت .. لا تسكت .. ولا تهدأ يا ألله , فهوذا أعداؤك يعجون , ومبغضوك قد رفعوا الرأس .. علي شعبك مكروا مؤامرة وتشاوروا علي أحْمِيَائِكَ . مز83 .......... !!!!!
عموما لم يكن أمامنا الآن " نحن أقباط مصـــر " كلاما آخـــر إلي كل من يريد هدم مصــر وكسرها .. إلاَ أنه قد بدأنا نلمح في الأفق هذه القصبة التي تقصف ظهر البعيـــــــــــر ..... وهذا ما لا نتمنـــــــــــاه .. لأن عواقبها الخراب والدمــار لمصـــر ... !!!