بقلم شكري بسطورووس

"حق ظاهر وعدل مفيش" مثل مصري قديم ينطبق تماماً على محاكمات المسيحيين المتهمين بازدراء الاسلام. فهذه المحاكمات وصمة عار في تاريخ القضاء المصري. سنتناول هنا حالتين فقط من هذه المحاكمات التي تميزت بانها:
 
1. محاكمات متعجلة ومريبة: 
فهناك احالات للمحاكمة قبل ان تنتهي تحقيقات النيابة، وهناك احكام تصدر من اول جلسة، كما ان مدة التقاضي كلها منذ بداية تحقيقات الشرطة وصولاً إلى الأحكام النهائية قصيرة بصورة لا تصدق، مما يوحي بان هذه القضايا مدبرة وملفقة وذات اهداف سياسية. وللتوضيح نقول:
 
في قضية مكارم دياب– بابنوب اسيوط - التي ذكرناها في المقال السابق (أُتهم بازدراء الاسلام إذ رد على الازدراءات المتكررة للمسيحية من زميله المدرس السلفي وسأله "هو النبي اتجوز كام؟") صدر حكم المحكمة بسجنه لمدة 6 سنوات بتاريخ 29 فبراير 2012، بعد أربعة أيام فقط من القبض عليه، وبعد يوم واحد فقط من عرضه على النيابة التي امرت بحسبة 4 ايام على ذمة التحقيق! اي ان النيابة لم تكن قد انتهت من تحقيقاتها حين صدر الحكم! فمن الذي احال القضية للمحكمة التي اصدرت حكمها من اول الجلسة؟ ما هذه القوة التي فرضت على النيابة والمحكمة معاً ان تنهيان القضية بحكم جائر في اقل من 48 ساعة؟! الاعجب انه عندما استأنف المتهم الحكم، عقدت محكمة استئناف أسيوط جلسة استثنائية بتاريخ 4 ابريل 2012 (وكان المقرر لها 5 ابريل حسب الجدول!) - برئاسة المستشار شهاب الدين كريم – وايدت الحُكم الاول رغم انه ضعف العقوبة التي ينص عليها القانون ورغم ان هيئة المحكمة تعرضت لضغوط خطيرة في جلسة الاستئناف السابقة بتاريخ 15 مارس سنذكر بعضها لاحقاً! 
 
اما قضية بيشوي كميل كامل البحيري – 24 سنة – مدرس اللغة الانجليزية بطما سوهاج، فهي مثال صارخ للمحاكمات المتعجلة. في نهاية يوليو 2012، تقدم الشيخ السلفي محمد صفوت تمام (مهندس زراعي، 32 سنة) ببلاغ رقم 3119 إداري طما ضد بيشوي يتهمه فيه بالإساءة للرسول وإهانة الرئيس مرسي ومقدم البلاغ نفسه على الفيسبوك. ولكن بيشوى اوضح في التحقيقات التي أجرتها نيابة طما معه أن حساب الفيسبوك المدون عليه الاساءات محل الاتهام ليس حسابه وانما هو حساب مزور باسمه وطلب محاميه من النيابة سرعة مخاطبة الجهات الفنية لاثبات ذلك. بعد ذلك تقدم والد بيشوى بمعلومات للنيابة تفيد ان شخص اخر يدعى مايكل هو من قام بعمل الصفحة المزورة باسم بيشوي لتوريطه. وقدم ايضاً شاهدين واسطوانة مدمجة عليها اعتراف بصوت المدعو مايكل. إلا إن نيابة سوهاج العامة لم تحقق في هذه الدلائل الجديدة، وأحالت بيشوي إلى محكمة الجنح في 30 أغسطس. 
 
في سرعة عجيبة عقدت المحكمة أولى جلسات القضية في 1 سبتمبر (31 اغسطس كان جمعة)، وفي نفس الجلسة حجزت القضية للحكم بجلسة 11 سبتمبر والتي فيها امدت المحكمة أجل النطق بالحكم لجلسة 18 سبتمبر بسبب مظاهرات الاسلاميين العنيفة داخل وخارج قاعة المحكمة والتي لم تمكن المحكمة من الاستمرار في الجلسة. في 18 سبتمبر قضت المحكمة بسجن بيشوي ثلاث سنوات فيما يخص تهمة ازدراء الإسلام وسب الرسول وسنتين لسب رئيس الجمهورية وسنة لسب المدعي بالحق المدني. اي ست سنوات سجن مع الشغل! ثم اُجبر بيشوي على التوقيع باستئناف الحكم في نفس اليوم! فعقدت محكمة جنح مستأنف مركز طما جلستها في 27 سبتمبر برئاسة المستشار طارق النفراوي وحكمت بتأييد الحكم السابق من اول جلسة ايضاً! ثمانية ايام تفصل بين الحكمين، فهل هذا الوقت كافِ لتدرس دائرة الاستئناف القضية وتحكم عليه من اول جلسة؟! 
 
لماذا كل هذا الاستعجال المخل إلا إذا كان وراءه اهداف سياسية تعكس كراهية دفينة ومحاولات مستميتة لإذلال الاقباط وترويعهم ولو بلي عنق القانون؟! 
ماذا عن محاكمة ابو اسلام الذي حرق الانجيل وهدد بالتبول عليه ومع هذا اخلت النيابة سبيله بلا كفالة على ذمة قضية تتأجل وتتاجل! اين دولة القانون من محاكمة الجناة الحقيقيين في مذبحة ماسبيرو للآن؟ ثم ماذا عن مذبحة كنيسة القديسين بالاسكندرية التي لم تحيل الشرطة التحقيقات فيها للنيابة إلى الان رغم صدور حكم قضائي يلزم وزارة الداخلية بذلك!
 
2.محاكمات تتم وسط تجاوزات خطيرة تقوض العدالة، مثل:
•محاصرة مباني المحكمة بمظاهرات صاخبة وعنيفة 
•تجمع مئات الاسلاميين المتشديين داخل قاعة المحكمة لإثارة الفوضى وترويع هيئة المحكمة ومحاميي المتهم ومحاولات للفتك بالمتهم
•محاولة التاثير المباشر على القاضي بواسطة المحامين الاسلاميين
•تهديد محاميي المتهم بالقتل في حال قبول الترافع عنه 
•منع محاميي المتهم من الوصول للمحكمة 
•الاعتداء بالضرب على المتهم ومحاميه واسرته داخل قاعة المحكمة وخارجها
•اجراءات غير قانونية من جانب وكلاء النيابة والقضاة 
 
فمثلاُ في قضية الطفلين نبيل ناجي رزق (10 سنوات) ومينا نادي فرج (9 سنوات) من عزبة ماركة ببني سويف، وجهت النيابة لهما تهمة ازدراء الاسلام بالمخالفة للمادة 94 من قانون الطفل 12 لسنة 1996 ونصها: "تمتنع المسئولية الجنائية على الطفل الذى لم يتجاوز إثنتى عشر سنة ميلادية كاملة وقت إرتكاب الجريمة" وبحسب المادة 101 من نفس القانون كان يجب تسليم الطفلين لذويهما وينتهي الامر. فلماذا مازال الطفلان على ذمة القضية؟ ما نخشاه ان تكون النية مبيتة لإستغلال البند الاخير من المادة 101 وذلك بإيداعهما فى إحدى مؤسسات الرعاية الإجتماعية ليتحولا إلى الاسلام لاحقاً!
 
أما في محاكمة مكارم دياب، فلم يترافع عنه اياً من المحامين في الدرجة الاولى بسبب مظاهرات الاسلاميين الذي زاد عددهم عن 5 الاف. ورغم ذلك أصدر القاضي الحكم، بالمخالفة للقانون. بل في جلسة الاستئناف بتاريخ 15 مارس 2012، فوجئ القاضي بأن عشرات المحامين السلفيين بقاعة المحكمة منعوا محاميي المتهم من حضور الجلسة مطالبين القاضي بتأييد الحكم فوراً. حاول القاضي اقناع المحامين السلفيين بدخول أحد محاميي المتهم لقاعة المحكمة لتأجيل القضية، التي حصل فيها المتهم علي حكم بالسجن قبل أسبوعين ولم يترافع عنه احد من المحامين، فرفضوا فكرة التأجيل. بل وصل الامر انهم دخلوا إلى القاضي غرفة المداولة للضغط عليه ليصدر الحكم! هذا ما استنكرته منظمة الاتحاد المصري لحقوق الانسان ووصفته بالارهاب، مشيرة إلى أن المحامين الاقباط الذين تجمعوا للدفاع عن المتهم تلقوا تهديدات بالقتل فى حالة حضورهم الجلسة، فضلا عن تجمع مئات السلفيين المتشددين داخل قاعة المحكمة. كما أشارت المنظمة إلى انه تم الاعتداء على المتهم اثناء ترحيله من قاعة المحكمة وسط عجز قوات الأمن عن حمايته! 
 
اما يوم صدور حكم الاستئناف فقد عُقدت الجلسة على غير العادة في الثامنة صباحاً! وبحسب الاستاذ مجدي فاروق محامي المتهم، رفض القاضي اي مرافعات من هيئة دفاع المتهم بل طلب تقديم مذكرات فقط ، ثم بعد ربع ساعة من رفع الجلسة، عاد واصدر حكمه بتأييد الحكم السابق! فهل قرأت هيئة المحكمة مذكرات الدفاع في ربع ساعة؟!  
 
في محاكمة بيشوي البحيري، تجمهر مئات المسلمين الغاضبين منذ بدء تحقيقات نيابة طما معه وهم يرددون هتافات دينية ويطالبون بالقصاص. وتتابعت هذه المظاهرات والتجمعات العنيفة داخل وخارج قاعة المحكمة بعد ذلك. وقد ذكر موقع "الجزيرة.نت" بتاريخ 18 سبتمبر عقب الحكم عليه ان "مظاهرات نظمها سلفيون ضد بيشوي كامل أجبرت السلطات على نقل المحاكمة من طما إلى طهطا ثم إلى سوهاج". ثم ذكر الموقع ايضاً ان الشرطة "اصطحبت كامل إلى خارج مجمع المحاكم بمدينة سوهاج من باب خلفي بعد الحكم الذي أصدرته محكمة الجنح خوفا من متظاهرين تجمعوا في المحكمة اعتراضا على الحكم الذي اعتبروه غير مناسب."
 
المدهش ان المستشار عصام يحيى يماني، رئيس محكمة سوهاج الابتدائية رفض تلبية قرار وزير العدل بنقل محاكمة بيشوي من سوهاج إلى القاهرة، رغم علمه بكل ذلك، ورغم ان دفاع المتهم قدم للوزير اسطوانة مدمجة توضح حجم مظاهرات المتشددين الإسلاميين في الجلسة الاولى، وترويعهم للمحكمة بجانب خروج محامىي المتهم بصعوبة بالغة وسراً من قاعة المحكمة، مما تعذر معه مطلقا وجود أي ضمانة لمحاكمة المتهم في سوهاج. والمعروف أن توفير ضمانات محاكمة أي متهم هي من اختصاصات وزير العدل، وقد مارس الوزير واجبه هذا حينما وافق على نقل محاكمة قتلة ضحايا النادي الأهلي من بورسعيد إلى القاهرة، وقضية الإرهاب من سيناء إلى الإسماعيلية وتخصيص أكاديمية الشرطة لمحاكمة مبارك ومعاونيه. مما يعنى أن رفض رئيس محكمة سوهاج نقل المحكمة إلى القاهرة يعطى مؤشرا خطيرا عن اتجاه وعقيدة المحكمة في نظر هذه القضية. 
 
لهذا ادانت منظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" الحكم الصادر على بيشوي، موضحة أن تهمة ازدراء الأديان بقانون العقوبات ذات صياغة فضفاضة وتفتح المجال على مصراعيه لإساءة الاستخدام في انتهاك حرية الرأي والتعبير والإبداع وأيضا حرية الاعتقاد نفسها. وأبدت المبادرة المصرية استغرابها من الحكم على المتهم بالسجن سنتين بتهمة سب رئيس الجمهورية موضحة أن الرئيس موظف عام في الدولة يحق للمواطنين انتقاده وأن فرض حصانة حول منصبه يرسخ لديكتاتورية الحكم.
 
من هنا نطالب باطلاق سراح كل من مكارم دياب وبيشوي البحيري وامثالهما واعادة محاكمتهم امام دوائر نزيهة مع توفير الضمانات القانونية لهذه المحاكمات.
هذا قليل من كثير، وقد يكون لنا عودة  للموضوع لاحقاً.