(1469- 1536 )
إعداد/ماجد كامل
تزامن مع بزوغ عصر النهضة  الأوربية في القرن السادس عشر ؛ ظهور ما يعرف بالنزعة الإنسانية Humanism ؛وهي النزعة التي ركزت علي الاهتمام بالانسان من حيث هو انسان ؛مع التركيز علي وضعه في الكون وسلطانه علي الطبيعة ؛وأنه سيد مصيره وأمره بيده ؛مع الاهتمام الشديد يالتراث اليوناني الروماني السابق علي ظهور المسيحية مع الحرص علي إظهار ما فيه من قوة وجمال بما لا يتعارض مع الإ‘يمان المسيحي القويم . ولقد ظهرت ما يعرف بالانسانية المسيحية Christian Humanism وهي النزعة التي مزجت بين العقل والإيمان . وكان رائد هذه النزعة هو الفيلسوف الهولندي إيراسموس الروتردامي (1469- 1536 ) والذي عرف في التاريخ ب"أمير الإنسانيين " .
 
ولقد ولد في عام 1469 من أب كاهن  ؛ ولقد شغف منذ طفولته بعشقه الشديد للقراءة حتي صار له قولا مأثورا هو " إن بيتي هو المكان الذي توجد فيه مكتبتي " . كما أهتم كثيرا  بكتابات آباء الكنيسة الأولين ؛ ونظرا لاجادته التامة للغات اليونانية واللاتينية ؛ لذا فقد حرص علي قراءة كتابات هؤلاء الآباء بلغاتها الأصلية ؛ ولقد أهتم بترجمة الكتاب المقدس ترجمة حديثة ؛ وكان ذلك عام 1516 ؛فلقد آمن بضرورة وجود الكتاب المقدس في متناول جميع الناس وبجميع اللغات ؛ ولقد كتب في ذلك قائلا "من كان جمهور السيد المسيح نفسه ؟ ألم يكونوا خليطا من العميان والشحاذين والعشارين وقادة المائة والأطفال ؟ فكيف يحرجه أن يقرأه أولئك الذين أراد أن يصغوا إليه؟ في الحقيقة ؛سيقرأ مؤلفاته الحرفي والعامل  والسارق والخاطيء ..... الخ .فإن لم يصرفهم هو عن سماع كلامه ؛ فلن أصرفهم أنا عن قراءة كتبه المقدسة . يريد السيد المسيح أن تنتشر فلسفته إلي أبعد ما يمكن . إنه مات من أجلنا ؛فيريد أن يكون معروفا عند جميع الناس ؛ ولا شك أن العالم سوف يصل إليهذا الهدف  لو تمت ترجمة كتبه إلي جميع اللغات في جميع البلدان ؛ ـأو لو تعلمت جميع الشعوب ؛بفضل الأمراء اللغتين العبرانية واليونانية التي كتبت بهما  تلك الكتب المقدسة .
 
وأخيرا ما  الذي يمنع أن يقرأ كل واحد الإنجيل بلغته التي يفهمها ؟ الفرنسي بالفرنسية ؛والإ‘نجليزي بالإنجليزية ؛والألماني بالألمانية ؛ والهندي يالهندية ؟ يبدو لي أمرا غير لائقا بل مضحكا ؛ أن يقوم رجال ونساء لا ثقافة لهم كالببغاء ؛بترنيم المزامير وصلوات يوم الأحد باللغة اللاتينية ؛بدون أن يفهوا ما يتلونه " . 
 
كما كان إيرازموس أيضا من أشد الداعين إلي السلام ؛ ولقد كتب في ذلك كتابا شهيرا بعنوان "الشكوي من السلام " ؛صدر عام 1517 .ومن بين العبارات الجميلة التي وردت في هذا الكتاب والتي تظهر حبه للسلام ونبذه للحروب " أين الأرض التي لم يحارب فيها الناس بطريقة من أقصي  ما يمكن ؟باللعار العظيم ! أنهم يتصرفون بقسوة ووحشية في المعركة بطريقة تزيد علي قسوة الوحوش وحيوانات الغاب ؛ وكل هذه الحروب نشبت بسبب بسبب نزوات الأمراء علي حساب الإضرار بالناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل . إن السلام ولو كان جائرا أفضل من الحروب ولو كانت تمليها العدالة " . والجدير بالذكر أن هذه العبارة "إن السلام ولو كان جائرا أفضل من الحروب ولو كانت تمليها العدالة " صارت  حكمة وقولا مأثورا تردده البشرية دون أن تعرف أن قائله هو إيرازموس  نفسه .
 
ومن أشهر مؤلفات ايرازموس التي تركت تأثيرا كبير في التراث الثقافي والحضاري للانسانية كلها هو كتاب "في مدح الحماقة "In Praise of Folly  . ولقد صدر هذا الكتاب في طبعته الأولي عام 1511م . والمضمون الرئيسي في هذا الكتاب هو  أن إيراسموس شن هجوما  شديدا علي باباوات الكنيسة الكاثولوكية في ذلك الوقت . ولقد كتب إيراسموس هذا الكتاب علي لسان الحماقة ؛ فلقد تخيلها كإنسان يوجه خطابا نقديا للجميع ؛ فالبابا يرفع سيفه باسم المسيح ؛ بينما المسيح جاء لكي يزرع المحبة والسلام بين الناس .والجدير بالذكر أن إيراسموس بالرغم من هجومه الشديد في هذا الكتاب علي بعض ممارسسات الكنيسة الكاثولوكية ؛ إلا انه ظل في النهاية مسيحيا مؤمنا متدينا تدينا حقيقيا . ولقد لاقي الكتاب تجاحا ساحقا حتي أنه ترجم إلي اللغات الفرنسية والالمانية  . أما الترجمة الأنجليزية فلقد أعتمدت كمنهج لتدريس فنون الخطابة  في إنجلترا خلال القرن السادس عشر 
 
أما عن الترجمة العربية للكتاب ؛ ففي حدود معوماتي   ومن خلال البحث في شبكات الأنترنت أن وزارة الثقافة السورية قد قامت بترجمته عن أحدي السلاسل الثقافية التي تصدر في سوريا . ؛ وقام بالترجمة محمد جديد ؛ ولقد صدرت هذه الترجمة عام 2007 .عن وزارة الثقافة السورية ( أنظر صوة غلاف الكتاب ضمن الصور الملحقة بالمقالة ) . كما صدرت له ترجمة أخري قامت بها أماني سعيد عن دار سفنكس للنشر ؛ ولقد صدرت الترجمة عام 2011  ( موجود منها نسخة PDF  ؛ وهي  تفع في حوالي 76 صفحة ) ( أنظر صورة غلاف الكتاب ضمن الصور الملحقة بالمقالة )  .  
 
ولقد كان إيرازموس – كما ذكرنا في المقدمة – حريص علي إحياء التراث اليوناني – الروماني القديم ؛فلقد آمن أن البحث عن الحقيقة كان غاية الحضارات اليونانية مثلما كان هو غاية الحضارة والثقافة المسيحية . لذا فقد أنفق كل حياته في  نشر وتحقيق هذا التراث اليوناني الروماني جنبا إلي جنب مع نشر وتحقيق  كتابات الآباء في اليونانية واللاتينية .
 
والحق أن هذه  الدعوة إلي الاهتمام بنشر وإحباء التراث اليوناني الروماني ليست غريبة ولا بعيدة عن كتابات آباء الكنيسة الأولين ؛ .( لمزيد من التفصيل حول  هذه النقطة راجع مقالنا عن أهمية دراسة الفلسفة في كتابات آباء الكنيسة الأولين ) .