د. ماهر عزيز
بادئ ذي بدء أود أن أنسب الفضل في نحت مصطلح : " العار الطائفي والعار المجتمعي " إلي مبدعه الكاتب الكبير الأستاذ / سليمان شفيق .
لكن المصطلح نفسه ينطوي علي فواجع تتكرر بين الفينة والفينة حين تختفي فتاة أو سيدة قبطية وينتشر علي الملأ بكل الوسائط أن الأمر ليس سوي عار طائفي لحق بالأسرة تنتقل فيه الفتاة أو السيدة من دينها إلي دين مخالف تحت قهر أو حجب أو اختطاف أو اختفاء قسري .. ما تعتبره الأسرة القبطية عارا مقبولا لا يشينها البتة بل يشين المسئولية الجنائية ، وفضيحة لا تمسها بل تمس الأوضاع المحتقنة ، فتبقي - وذلك أهم ما يهم - الصورة الظاهرة للأسرة متماسكة تقية متدينة محافظة تلتحف بالفضيلة والقيم التقليدية التي تكسوها أمام الناس وتشكل كبرياءها وكرامتها !!!
لكن المتابع لحالات الاختفاء سواء التي تعود لأهلها أو التي لاتعود ، يتبين أن حوالي 80% منها لم تكن عارا طائفيا البتة بهذا المعني ، بل كانت في جوهرها عارا مجتمعيا تخشي الأسرة القبطية فيه علي سمعتها وصورتها الظاهرة التقية المتدينة المتماسكة أن تنجرح بين الكافة بهروب فتاة أو زوجة ، هي في الواقع تموت بالحيا في ظروف أسرية اجتماعية غارقة في الجور والظلم والقهر واللا إنسانية بل الوحشية ، لكن الذي يحدث في هذه الحالات الثمانين في المائة أن تخفي الأسرة القبطية عارها المجتمعي وتلقي به عمدا علي عاتق العار الطائفي في عملية خداعية مهولة ، يبقي ضحاياها المجني عليهم علي كل حال هم الذين يسحقهم الذل .
يبدو العار الطائفي عندئذ أفضل احتمالا جدا بما لايقاس ، لأنه العار الذي يعظم العوامل الخارجية القاهرة التي تتستر بها الأسرة القبطية ، وتبيض وجهها بها ، لأنها - كما الزعم - لا يد لها فيها ، بل هي تستمطر العطف والشفقة والدعم الجماعي لأنها المجني عليها !!!
لكنني قبل أن أسترسل في تحليل العار أود أن أؤكد أن الحالات العشرين في المائة الأخري كانت دائما ، وفقا لسجلات الحقوقيين والموثقين لحالات الاختفاء القسري ، خاصة في زمن الصعود العاتي لموجات المد الوهابي والأصولي الممول بمصر - التي لا تزال آثارها حاضرة بقوة - كانت دائما حالات اختطاف ديني مروع - إن جاز التعبير - وكانت الجماعات المنفذة لها تعتبرها جهادا تنفتح له أبواب السماء ، والسلطات تباركها وتشجع عليها ، بل إن من أتباعها من جاهر مزهوا متفاخرا بها ، بينما هي قد خلفت وراءها مآس فاجعة يشيب لها الولدان !!!
لكن الغالبية الغالبة ( 80% ) في ضحايا العار الطائفي المزعوم بديلا عن العار المجتمعي ، اذا ما اقتربنا منها عن كثب ، يأخذنا الذهول من جميع أقطارنا ونحن نقف علي فواجع قبطية اجتماعية ، يهرب الجميع من مواجهتها ، اللهم إلا المختفيات الشجاعات أنفسهن ، اللاتي إذ تنسد الأبواب أمامهن مطلقا تتسلحن بشجاعة الهروب .
ولعل حالة سالي نسيم فتاة الثلاثين عاما ، خريجة الطب المتفوقة المتدينة المشهود لها من الجميع بأنها خادمة أصيلة في كنيستها ، وأنها كصورتها الظاهرة فخر الأرثوذكسية لمن يعرفها ، أقول لعلها تقدم لنا نموذجا صارخا للعار المجتمعي الذي يتستر في العار الطائفي ويتخفي فيه ..
فلقد شاع في البداية أنها قد تركت بلدتها في الصعيد إلي القاهرة لتشهر إسلامها وتقترن بزميل لها مسلم تعرفت عليه منذ أكثر من سنة .. وراحت صورها ووثائقها تدور علي وسائل التواصل الاجتماعي بين ذعر المغيبين من الأقباط وإشفاقهم المريض وجزمهم بأنها حالة فريدة في العار الطائفي تم التغرير بها .. فراحت الآلة الإعلامية الرهيبة في المهجر وغير المهجر تشتغل بلا هوادة علي عجلات العار الطائفي ...
لكن الثقات القريبين من الأحداث كأنهم يعيشون فيها كتبوا عن حقيقة أخري مؤلمة ينشب فيها العار المجتمعي مخالبه علي نحو فاحش ..