حدود أرض زراعية تشعل الخلاف بينهم الشقيقين
كان شكه في محله، ارتداء النساء أمام منزله للأسود بمثابة له رسالة بأن نجلا شقيقه قتلا ابنه، كان «عزت» رابط الجأش متماسك، وهو يسرد تفاصيل الجريمة التي صارت متداولة بقريته عطف الجندي في الغربية، ابنه «محمود» كان يقف أمام باب منزله يحتشى الشاى حين باغتته رصاصة أطلقها «سرور» ولاحقه مع أخيه «أمين» داخل البيت بطلق ثانى ولم يكن من الممكن إنقاذ حياته، حيث أنهما سدد له 5 طعنات في رقبته، بقى ينزف بعد إصابته وحيدًا حتى وفاته.
أخوك وعياله قتلوا ضنايا
تنهنه «عزت» وبدت واضحة دموعه وهى تتساقط، ما دفع جيرانه إلى مواساته، فبدا صوته متهدجًا أيضًا وهو يتحدث عن فاجعة موت «أول فرحته» الذي كان يمازحه بقوله: «يا بويا أنا أحسن منك!»، ويرد عليه: «وأنا فرحان»، مصدومًا يحكى «كان عندى خلاف مع أخويا (حسين) على حدود حتة أرض، وصل الأمر لاحتجاز بمركز الشرطة، وقلت نتصالح وإحنا إخوات ورفض، وحرض عياله على قتل نور عينى اللى بشوف بيها».
جلس «عزت» على عتبه منزله، منهارًا وزوجته «سميحة» تصرخ فيه «أخوك وعياله قتلوا ضنايا، ليه محذرتنش ناخد بالنا؟!»، سألها عن تفاصيل الجريمة، فلم يكن قد عاد من مركز الشرطة فقد كان عليه إنهاء إجراءات إخلاء سبيله على ذمة واقعة تشاجره مع أخيه أقرب الناس له، الذي كانت صورته لا تفارقه وهو يحتداه في غيظ «مش هتصالح معاك»، ليصل إلى المنزل ليرى اصطفاف النساء حول «أم العيال» وجمعيهن لا يكفن على النواح، ويعرف بمقتل الابن البكرى، فيقفز أمام عينيه منظر شقيقه بغله فيزداد ألمًا.
الوحيدة التي كان عليها أن تواجه «سرور» وشقيقه «أمين» بأسلحتهما النارية والبيضاء، هي والدة «محمود»- الأرزقى- الشاب الثلاثينى، موقف لا تحسد عليه وما زالت ذاكرتها تأبى نسيانه وتزورها الكوابيس في صحوها ونومها بسببه، بعد تناول الابن العشاء واقف على باب البيت يحتسى الشاي ظهره كان ناحية الشارع باغته ابن عمومته الأول بطلق خرطوش بظهره دخل إلى المنزل يصرخ في أمه: «عيالى يا أمى.. خدى بالك لحسن يقتلوهم»، وهى كانت تزقهم عنه وتغلق الأبواب الثلاث للطابق الأرضى، طرحوها أرضًا قبل أن يكسروا عظام ساعدها الأيمن، رحل ابنها خلال ثوانِ بطلق نارى ثان في رأسه وطعنات الرقبة بالسكين، وخرجا الشقيقان نجلا عم ابنها كأنهما منتصرين في معركة.
نارى مش هتهدئ سوى بإعدامهم
لم يكن هذا في الحسبان ولا جاء في أشد كوابيس والد «محمود»، كانت قواه قد خارت، وجلس على الأرض ورمى برأسه على دكة، فيما الأهالى يشيعون جثمان ابنه والأيدى تمتد إليه ليقوم من مكانه، ولم يكن من السهل على «العجوز» أن يجد نفسه بلا سنده، قسوة غير محتملة عليه، ظل بمكانه من الصباح الباكر حتى ظهر ثانى يوم، يود لو استطاع المشى إلى قبر ابنه لو احتضنه ودخل معاه لمرقده ومثواه الأخير، يبرر: «يمكن لما أحضنه كانت راكية النار اللى جوايا تهدئ شوية»، ويتمم «ده ساب 3 بنات أكبرهن بأولى ابتدائى، دول عيدان ذهب ولايه، هربيهم من بعده، شافوا أبوهم بيتقل قدام عينهم».
أي الكلمات تستطيع تخفيف الألم عن زوجة ابنه، من يخفف ألم من؟، يسأل وكيف سيسمع كلماتها بين الدموع المنهمرة من عينيها على رجلها وعائلها الوحيد، قال لها العبارات المواسية أكثر من مرة كررها: «أنا أبوكِ هنا، وكل حاجة بحياتك وحياة عيالك، ابنى مات شهيد غدر اتخد من ضهره»، ومرة واحدة أفلتت دموعه «أخويا حرض عياله يقتلوا ولدى عشان حدود الأرض بينا وبينهم»، قال لها «نارى مش هتهدئ سوى بإعدامهم شنقًا والقانون ياخد مجراه».
الأب عليه أن يمتص الألم مثل اسفنجة ناشفة، لكنه ممتلئ ومشبع بالوجع، يصف حاله وهو يردد: «الدنيا كلها ولا لها طعم بموت ابنى، وكنت أتمنى ألحق به لولا عياله اللى هربيهم»، وكان يستذكر ما قاله «محمود» له قبل الجريمة «يا أبويا عايز العمدة عندنا يبعت خفير يحرس البيت عندنا، خايف يعملوا حاجة فينا»، ويؤكد «حصل اللى توقعه حبيبى، خلافى مع أخويا كان بسيطًا إحنا عندنا فدان بنزرعة وبنأكل ونشرب منه، وهو 16 قيراط، والحد الفاصل كنت هعمله».
ووالدة المجنى عليه، تنام والأنوار حولها مضائه كونها خائفة مما رأته، وتقول إن الدموع تنزل من عينيه كأنها نار جهنم والأيام المتفرجة تحولت لغم، والحجرة التي قتل فيها ابنها لا أحد يدخلها إذ أصبحت مثل بيت رعب يخشاه الكل.