الانبا موسى
- يقول الكتاب المقدس، في سفر التثنية، يقول الله للإنسان: «قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك» (تث19:30)، أي أن الإنسان يتحكم في مصيره، فمستقبلك الأبدى يعتمد على خياراتك. «قدامك الحياة والموت»، أي أن الاختيار اختيارك، وكل إنسان حر في قراره.
- يقولون إن الشخصية الإنسانية هي مجموعة عادات تمشى على قدمين!!، وهذا بالطبع يعنى أن كل عادة نكونها لأنفسنا، إيجابية كانت أم سلبية، تعبر عن واقع داخلى في الكيان الإنسانى، في الفكر والقلب!!. لذلك نتذكر المثل:
- وهذه حقيقة أكيدة، فالإنسان يبدأ سلوكياته بالفكرة، وحينما تعرض له فكرة، وينفعل بها، ويقبلها، يحول هذه الفكرة إلى عمل.. ولما يتكرر هذا العمل، يتحول إلى عادة، ومجموع العادات التي يكتسبها الإنسان تشكل أخلاقياته.. وأخلاقياته تحدد نوع مصيره، فلو أن الفكرة كانت خاطئة، يكون الفعل المكمل لها خاطئًا.. وإذ يتكرر الخطأ تتكون لدينا عادة سلبية.. ومجموع العادات السلبية يعطى صورة سيئة للأخلاق.. ومصيرًا سيئًا في النهاية.
- وما نقوله عن الفكرة الخاطئة ينطبق أيضًا على الفكرة الإيجابية، التي تتحول إلى فعل إيجابى، ثم عادة بَنّاءة، وخلق طيب، ومصير جيد!!.
ثانيًا: الفكر هو البداية:
- الفكر هو بداية كل شىء!!، فخطيئة الشيطان بدأت مجرد فكرة!، إذ قال في نفسه: «أصير مثل العلىّ» (إشعياء 14: 13). وكانت هذه الفكرة الشريرة سببًا في أن «ينحدر إلى الهاوية، إلى أسافل الجب» (إشعياء 15:14).
- لقد كان الشيطان ملاكًا، وكان يستمد نوره من نور الله، وبره من بره، لكنه أراد أن يصير مثل العلى، وأراد أن يستقل ويتألّه، فكان السقوط، وكانت النهاية!!.
- ونفس الأمر ينطبق على آدم وحواء، إذ أغراهما الشيطان بنفس الأمر، قائلًا على لسان الحية: «لن تموتا!!، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منها، تنفتح أعينكما، وتكونان كالله، عارفين الخير والشر» (تكوين 2:3،5)، وكان الأكل، فكان السقوط!!.
- والتوبة أيضًا هي فكرة تتحول إلى فعل!!، ففى مثل الابن الضال لما «رجع إلى نفسه» (لوقا 17:15)، قرر التوبة، والعودة إلى بيت أبيه، فكان الخلاص!!.
الفكر- إذن- هو بداية الفعل، وتكراره هو الطريق إلى تكوين عادة، والعادات لها أثرها الخطير على تكوين الشخصية، وبالتالى على مصير الإنسان.
ثالثًا: موقع العادة في الكيان الإنسانى:
العادة هي جزء من الجهاز النفسى للإنسان، الذي يتكون أساسًا من قسمين:
- الأول موروث: وهو الغرائز والحاجات النفسية.
- والثانى مكتسب: ونقصد به العادات والعواطف والاتجاهات.
العادات- إذن- يجب أن تكون خاضعة لثلاث قوى حتى تتكون لدينا عادات سليمة إيجابية وبَنّاءة.
وهذه القوى الثلاث هي:
1- قوة العقل: وهى قوة محدودة، ويمكن أن تخطئ، ولكنها عمومًا قادرة على التمييز بين الصالح والضار، فإذا ما وردت فكرة على ذهن الإنسان كأن يتعلم التدخين، أو يشرب خمرًا، أو يأخذ مخدرات، أو يمارس نجاسات، سرعان ما ينبرى له الفكر قائلًا: هذا خطأ!!، هذا دمار لجسدك، كما هو دمار لروحك.. بل الأخطر أنه يمكن أن يكون دمارًا لمصيرك الأبدى!!، فالتدخين يسبب أمراض القلب وسرطان الرئة. وكذلك الخمور والمخدرات تُحدث تآكلًا وضمورًا في المخ، وتحوّل الإنسان إلى حطام!!، والنجاسة تُحدث الكثير من الأمراض، وأخطرها الإيدز!!. يجب إذن أن يعرض الإنسان كل فكرة أو شهوة أو نداء من الداخل أو الخارج على العقل، وسوف تكون للعقل كلمته المهمة في الكثير من الأمور.
2- قوة الروح الإنسانية: فهى دائمًا تشتهى ضد الجسد، الجسد يشتهى ضدها.. ومن هنا تكون للروح كلمة مهمة أيضًا في قيادة الفكر، وتوجيه الإرادة، وضبط السلوك اليومى. الروح هي العنصر الإلهى فينا، ولذلك فهى تميل إلى البر والقداسة، وهى متصلة بالضمير، ذلك الصوت القادم إلينا من الله، والمغروس في طبيعتنا، ليهدينا إلى الخير، ويبعدنا عن الشر.
لكن الروح الإنسانية محدودة، وقابلة للتلوث. لهذا فنحن نصلى دائمًا إلى الله طالبين منه أن «يطهرنا من دنس الجسد والنفس والروح».. ومهما كانت تأثيرات الروح الإنسانية والضمير علينا، فهناك حدود لهذه التأثيرات، التي يمكن أن تنهزم أمام سطوة الجسد، وغواية إبليس!!، لذلك فنحن نحتاج إلى قوة إلهية غير محدودة لكى تسندنا.
3- قوة روح الله: وهى الضمان الوحيد والنهائى لحياتنا وسلوكنا وأبديتنا. ذلك لأن روح الله قدوس، وغير محدود، وفاعل في البشر. وهو الذي يُبكِّتنا على كل خطية، ويرشدنا إلى طريق الخلاص، ويطهرنا من أدناسنا وآثامنا، ويعزينا في كل آلامنا، ويثمر فينا.. بثماره المفرحة. من هنا يجب أن تكون أفكارنا وميولنا وعاداتنا خاضعة لما يلى:
1- للتفكير السليم المدروس، المستعين بالأسرة أو المرشد.
2- للصلاة وتوجيه الروح الإنسانية الساكنة فينا.
3- لطلب إرشاد روح الله.. من خلال الاستماع الأمين لمرشدينا.
لو فعلنا ذلك، فسوف نختار العادات الإيجابية البَنّاءة، ونرفض العادات السلبية الهدّامة. بالتالى نكون قد اخترنا الحياة.
نقلا عن المصرى اليوم