عادل نعمان
ويزعم شيعة الإسلام السياسى «والزعم كنية الكذب» أن أنصار الدولة المدنية مصرون أشد ما يكون الإصرار فى مطالبهم على فصل الدين عن الناس والمجتمع، وهذا تضليل وتزييف للحقيقة، بل هو تحريض للعوام على رفض إقامة الدولة المدنية، وطعن فى نموذج ناجح به تتحقق أحلام الشعوب وطموحاتها بالدليل التاريخى والبرهان العملى، إضافة إلى إثارة النعرة الدينية فى مواجهة نموذج وأسلوب حكم مدنى علمى ممنهج وليس دينا جديدا أو أيديولوجية كما يزعمون، وتحويل الخلاف المنهجى إلى صراع عقائدى، والأخطر هو تأليب وتهييج العامة على المثقفين والتنويريين ودعاة الدولة المدنية، وهذه كارثة الكوارث وراح ضحيتها الكثير، ولأنهم على يقين أن دورهم وسلطانهم يتضاءل عند نجاح هذا النظام، وهو أمر مفروغ منه وأكيد، فإن كيل الاتهامات تتزايد وتيرته كلما لمسوا نجاح التجربة عيانا بيانا فى دول أخرى كثيرة، ومحاولات الهجرة المتكررة- سواء كانت شرعية أو غير شرعية- دليل دامغ على النجاح والقبول بهذه التجربة والرفض لكل تجاربنا، بل إن بعض الأسر تعلم علم اليقين أن هجرة أولادهم الصغار إلى الدول الأجنبية سوف تجعلهم من نصيب أسر هذه الدول، تربيهم وتعلمهم تحت غطاء التبنى أو الأسر البديلة، وكذلك فإن العصبية تتفاقم وتتعاظم عندما يعلمون أن تسلط بعض رجال الدين أو أى معتقد على الدولة ومؤسساتها مرفوض ومردود فى الدولة المدنية، وأن المنهج العلمى هو المنقذ والسبيل وليست الأساطير وقصص الأولين والآخرين.
ولسنا بصدد فصل الدين عن المجتمع بتاتا.. فكيف نقبل أن ينفصل الناس عن الدين وهو السند والداعم والراحة والواحة إذا ما كانت الرحلة شاقة وعسيرة.. فكيف ودساتير الدول العلمانية موثق فيها حرية العبادة والدين والعقيدة والمساواة بين الأديان، وكذلك حرية إظهار التدين، وهى دول تحترم دساتيرها أكثر من بعض الدول التى لا تحترم حقوق الأقليات فيها، بل تضيق عليهم فى إقامة شعائرهم وتحرمهم من حقهم الدستورى فى المساواة والحرية.
ولسنا نقبل وصاية الناس على الدين أو الادعاء بحمايته والخوف عليه من التنويريين، أو الهلع والجزع عليه من الملاحدة الذين يجيدون الحوار والنقاش العلمى، فيحرج ويثير حفيظة المشايخ، ولا أتصور أن دينا سماويا من عند الله واقف على أبواب العباد يستجدى القوة والمنعة، ويستوهب العون والمدد والبقاء من الناس، حتى يخرج علينا من يصرخ فى وجوهنا مبررا حروب الردة التى كانت قرارا فرديا، ليقول لولاها لما قامت للدين قائمة، أو أن هناك كتابًا أصدق بعد كتاب الله- حمى الدين والسنة من النسيان والضياع- أو أن المطاردات والملاحقات للذين يستنكرون حكما أو يستقبحون تاريخا أو يستهجنون تراثا أو يدفعون أذى عن دينهم، هى حماية لأركان الدين وحفظا له من كل معتد أثيم، الدين من عند الله قائم حتى لو انفض الناس كلهم من حوله، باقٍ راسخٍ ثابت دون شيوخ الفضائيات والمطاردات والملاحقات، هذا ما نعلمه عن مشيئة الله وإرادته «كن فيكون».
ولا أتصور أنه من السهل نزع هذا الغطاء التاريخى، وفك هذا النسيج الدقيق الذى أحاط بالناس من كل اتجاه وغزله التاريخ بمهارة، حتى تداخلت الخيوط وتشابكت مع أنسجة الناس وسارت الألوان مسار الدم دون انفصام، وتراكمت البناءات والأسوار والحوائط حتى أضحت كتلا صخرية تكتلت وانصهرت لا تنفصل ولا تتجزأ، وتساندت وتراصت الأفكار والتأويلات والتفسيرات والروايات والشروح حتى أضحى الزعم مؤكدا والظن يقينا والخرافة صدقا والهشاشة كالجبال الرواسى، سلم الناس بما جاء وراح وأقسموا جميعا جهد أيمانهم ألا يحبطوا لأحد منهم عملا أو شهادة، حتى لو كان عملا باطلا أو شهادة زور، فمن يا ترى يستطيع أو يتجرأ على نزع ذاكرة الأمة أو فصل وفض خيوطها.
كان صاحبى يطاردنى أن نرفع أيدينا ونترك ديننا لمشايخنا الكرام، فهم الدارسون الفاهمون البارعون فى حفظه وصونه، وهم أولى الناس به، وأطمئنك يا أخى على دينك ودين غيرك، فى ظل الدولة المدنية الحديثة، فهى لا تحرم أحدا من معتقده، وتصون شعائر الجميع، وتقف من الأديان جميعها على مسافة واحدة دون تحيز ودون اعتداء أو ازدراء أو استعلاء دين على الآخر، ليحيا الجميع فى أمن وسلام.. هذا عن الدين، أما عن الدنيا، فهى للبحث والعلم والخبرة دون سطوة أو نفوذ لرجل الدين، فهو فى مجاله فقط ويترك ما لقيصر لقيصر «الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم