مراد وهبة
هو أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية السياسة بلاهور بباكستان. وبالرغم من أنه كان متأثرًا برؤية المستشرقين للفلسفة الإسلامية من حيث إنها مجرد محاكاة للفلسفة اليونانية، فإنه تجاوزها إلى القول إنها كانت بها إبداعات يمكن اعتبارها تمهيدًا لأفكار فلاسفة أوروبا من أمثال ديكارت وسبينوزا وهيوم وكانط وبرجسون. وقد كانت هذه المجاوزة متمثلة فى المعتزلة والمتصوفة والكندى والفارابى وابن سينا والغزالى وابن رشد. ولكن ما يهمنى هنا هو بيان رأى سعيد شيخ فى ابن رشد فيما يختص باتهامه بأنه كافر من قِبَل علماء الكلام.
ودار الاتهام حول ثلاث قضايا دافع عنها ابن رشد بلا هوادة، وهى على النحو الآتى: قدم العالم وعدم معرفة الله بالجزئيات وإنكار بعث الأجسام. وجاء دفاع سعيد شيخ على النحو الآتى: فى شأن قدم العالم، فإن ابن رشد لم ينكر خلق الله للعالم، وذلك بتمييزه بين نوعين من الخلود: خلود بسبب وخلود بدون سبب. وفى سياق هذا التمييز نقول إن العالم خالد أو قديم بدعوى أن الله كان مشغولًا بخلقه منذ القدم وأن الله خالد بدون سبب، وفى هذا المعنى لا يكون الله سابقًا على العالم من حيث الزمن لأن الزمن هنا لا علاقة له بالله لأن وجوده لا يتضمن الزمن، ومن ثَمَّ فإن خلوده خالٍ من الزمن.
ومن هنا تكون أسبقية الله على العالم قائمة فى كونه سببًا لخلق العالم منذ القدم. وقد ترتبت على ذلك نظرية الخلق المتجدد فى كل لحظة. ومعنى ذلك أن ثمة قوة خالقة على الدوام لهذا العالم وحافظة له. وهذه كلها أفكار قريبة من نظرية دارون فى التطور وكذلك من نظرية برجسون فى التطور الخلاق. وفى شأن معرفة الله بالجزئيات فإن سعيد شيخ يقر بأن الرأى الشائع يدور حول قول الفلاسفة إن الله لا يَعِى إلا ذاته، وهو قول لازم من لزوم القول إن الله واحد لأن القول بأنه يعرف الآخرين يُفقده وحدانيته. ولكن إذا سلمنا بهذا اللزوم فمعناه التشكيك فى القول إن الله عالِم بالكل. أما سعيد شيخ فإنه يرى أن الله، وهو على معرفته بذاته، هو فى الآن ذاته على معرفة بموجودات العالم كلها لأنه هو مصدرها جميعًا. هذا بالإضافة إلى أن الله لا يميز بين الجزئيات والكليات لأن هذا التمييز من صنع البشر وليس من صنع الله.
يبقى بعد ذلك اتهام ابن رشد بأنه ينكر خلود النفس الفردية لأنها ستتلاشى فى النفس الكلية. وهنا يميز سعيد شيخ بين النفس والعقل، فالعقل هو الذى يدرك الحقائق الخالدة من غير الاستعانة بالحواس وكذلك مبادئ الرياضة وقوانين الفكر، إذ هى كلها تأتى من العقل الفعال المنبثق عن الله. والعقل الإنسانى يعانى انفصاله عن العقل الفعال بسبب وجوده فى جسم الإنسان، ولكن بعد انفصاله عنه بعد الموت فإنه يذهب إلى العقل الفعال ويتوارى فيه. والرأى عندى أن دفاع سعيد شيخ عن ابن رشد لم ينقذه من الاتهامات الثلاثة، إذ لم يؤازره أحد. ولا أدَلَّ على ذلك من أن باكستان فى حالة تمزق داخلى بلا توقف.
نقلا عن المصرى اليوم