الأقباط متحدون - مملكة النوبة المسيحية
أخر تحديث ١٩:٥٤ | الخميس ٨ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢٨ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٣٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مملكة النوبة المسيحية

 بقلم نسيم عبيد عوض

 
عندما نشر مقالى السابق (بطريرك مصر) فى 6 نوفمبر بصحيفة الأقباط المتحدون ‘ وجه إلي الأخوة القراء سؤالين الأول من باخوم ( المقال فيه حاجات أول مرة أسمع عنها
 
ومكتوب : البابا بطرس الجاولى أعاد مجد كنيسة النوبة !!؟؟ ما أعرفه إن النوبيين كلهم مسلمين ، كانوا كلهم مسيحيين قبل الغزو العثمانى ثم تحولوا مرة واحدة للإسلام)‘ والسؤال الثانى من محمد (أهل النوبة مسلمون منذ العهد الاموى ولم يفرض عليهم أى نوع من انواع الضرائب او الجزية بل اسلموا جميعاً نتيجة الدعوة الاسلامية التى انطلقت من مصر الى الجنوب ) ‘ وللحقيقة فأنا كنت دائما مشتاقا أن أكتب مقالا عن أهل النوبة المسيحيين ‘ فمنذ زرت أسوان فى مايو الماضى ‘ ولرغبتى زيارة معبد فيلة لذكرياتى معه  حيث كنت سأغرق وأنا أحاول السباحة إليه عندما كان فى وسط النيل قبل أن ينقله اليونسكو الى موضعه الحالى لبناء السد العالى ‘وعندما إخترت قاربا لينقلنى الى المعبد إخترت شابا نوبيا ‘ ولا أطيل عليكم أن أحمد صاحب المركب لفت نظرى إلى ديانة النوبيين الأصليين بالمسيحية ‘ ثم بعد أن قرأت تصريحا مستفزا للدكتور العريان عن النوبة المسلمة ‘قررت أن أكتب فقط لتصحيح المعلومات ‘ فكتب التاريخ موجودة ولا أحد يلتفت إليها .
 
وردا على سؤال الأخ محمد محمود ‘ يذكرنا  بالعصر الأموى  والذى حكم مصر مابين 659الى 750 م ‘ بينما يذكرنا التاريخ فى نهاية القرن التاسع بلقب الأنبا يوساب البابا 52 بأنه بطريرك كرسى مار مرقس وأفريقية والخمس المدن الغربية والحبشة والنوبة‘ وماتذكره الكتب عن علاقته بجرجس ملك النوبة فى ذلك الوقت ‘ وفى نهاية القرن العاشر  يذكرنا التاريخ بالأنبا فيوثاؤس ال63  ‘ عندما وسط ملك الحبشة ملك النوبة جرجس لدى الأنبا فيلو ثيئوس ليرسم للحبشة أسقفا بعد خلاف بسيط بين الكنيستين ‘ وفى التاريخ أيضا وفى نهاية الحادى عشر قصة رهبنة ملك النوبة (سلمون ) لرغبته فى التوحد الى نهاية عمره ‘ وتنازله عن عرش مملكة النوبة الى ابن أخته ‘ وبالفعل وافق الأنبا كيرلس الثانى ال 67 (1078م) على رهبنتة فى دير الخندق –الأنبا رويس – ودفن فى هذا الدير ‘ وأيضا فى عصر البابا كيرلس السادي أرسل ملك النوبة (باسيل) ابن الملك السابق لمصر ليطلب من البابا رسامة مطران للنوبة. وفى الجزء الثالث من كتاب استاذتى إيريس حبيب المصرى ( قصة الكنيسة القبطية) ص 324 ‘تذكر لنا عن الأنبا مرقس الرابع ال 84 المرسوم عام (1348) أى فى القرن ال14 ‘ " بعد ان وصل الى مسامع ملك النوبة خبر سجن البابا المرقسى والبطش بالأقباط وأسلمة كل من يقبض عليهم ‘ أصدر أمره بالقبض على التجار المسلمين من رعاياه وسجنهم ليكونوا رهائن لديه إلى أن يصدر الوالى أمره بالإفراج عن الأنبا مرقس الرابع ‘ وبالفعل نجح ملك النوبة المسيحى بالإفراج عن بابا الأسكندرية .
 
وفى عصر حكم الدولة العثمانية لمصر (1517-1798) ‘ أى من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر‘ إمتد نفوزالحكم العثمانى إلى مملكة النوبة المسيحية فقام الوالة أوذبيميربالهجوم على النوبة وأستولى على منطقة إبريم التى كانت بمثابة الحصن الواقى للنوبة الجنوبية ‘وسرعان ماسقطت النوبة فى يد العثمانيين ‘فأصبح التعذيب والإرهاب وإبتزاز الأموال بوسائلهم المعتادة ‘ والتى نتج عن هذه الخطة الشريرة أن المسيحيين النوبيين لم يكن أمامهم إلا الإستشهاد أو الهجرة أو التحول للإسلام ‘ وهكذا زالت المسيحية من النوبة تماما ‘ وأمتد ذلك الى الخمس المدن الغربية ‘ وأيضا ألزم العثمانيون مسيحيو الواحات على إعتناق الإسلام وقلبوا كنائسهم إلى مساجد.
 
ثم نأتى إلى القرن التاسع عشر عندما قام المصريون فى عهد محمد على باشا بغزو النوبة والسودان وضمهما لمصر ‘قام البابا المرقسى بتجديد كرسى النوبة والسودان ‘  فسمح للأقباط بالعودة إليها ‘وطلبوا من الأنبا بطرس الجاولى أل 109 أن يرسم لهم أسقفا بإسم الأنبا دميانوس ‘ وأيضا أسقفا لمملكة السودان المسيحية‘ وبعد مرور مائتين عام على غزو العثمانيين بدأت الخدمة الكنسية والرعوية فى أيام البابا بطرس يفوح عبيرها فى النوبة‘ وللأسف بعد هذا التاريخ لا يمدنا المؤرخين عن إندحار المسيحيين من النوبة وإنجذابهم إلى الكنيسة القبطية  فى السودان.
 
وإذا بحثنا عن الحضارة النوبية سنجدها متناعمة مابين الفرعونية والقبطية ‘ وقد إمتدت هذه الحضارة أو الثقافة النوبية مابين القرن السادس وإلى السادس عشر الميلادى ‘ حيث تكونت ثلاث ممالك مسيحية نوبية جديدة ‘ وهى ممالك نوباتيا وبلانة والمقرة‘ وكانت هذه الدول ناطقة باللغة النوبية التى كانت تكتب بحروف اللغة القبطية المعدلة عن اللغة اليونانية. وعندما أرسلت هيئة اليونسكو بعثات تنقيب ولحماية آثار النوبة من الغرق قبل غرق بلادهم من السد العالى ‘ وبدأت هذه البعثات عملها من عام 1960 إلى عام 1970 ‘وعثروا على آثار أبهرت العالم بالكنائس القبطية والأديرة المسيحية ‘ وكانت البعثة البولندية الأكثر حظا برئاسة البوفيسور ميخالوفسكى عندما وقفوا مذهولين وهم يجدون أنفسهم داخل كنيسة مسيحية مزينة جدرانها بالأيقونات الملونة ‘ وعثروا أيضا على كنائس كانت من أصلا معابد من العصر الفرعونى ‘وقد تحدثت صحف العالم عن هذا عام 1963 وعلى رأسها مجلة الصانداى تايمز ‘ وقد نشرت الأستاذة إيريس المصى فى كتابها السابق الإشارة إلية صور العديد من هذه الأيقونات منها أيقونة للميلاد المجيد ‘وأيقونة السيد المسيح وقالت أن  هذه من ضمن مائة أيقونة عثرت عليها فقط البعثة البولندية ‘ وقالت أيضا أن من ضمن هذه الأيقونات وجد مثيل لها بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة ‘دليلا على أن راسمها من الكنيسة القبطية.
 
وكتب المؤرخ الأب الدكتور جيوفانى فانتينى كتابه ( تاريخ المسيحية فى الممالك النوبية القديمة والسودان الحديث) فرصد بعض العادات التى وجدها فى النوبة والسودان حتى اليوم ترجع إلى عصور التدين بالمسيحية ومنها:
 
معمودية الأطفال الداخلين إلى المسيحية ‘ وتمسكهم بطقس الأربعين يوم للمولود الذكر‘ حيث تحمله الأم إلى النهر ‘ومعها زفة من النساء يغنون ‘ ومعهم أغصان النخيل وتغسل يديها ورجليها ثم تغسل للمولود يديه ورجليه ‘وبعد ذلك تغطسه فى الماء وتقول أغطسك غطاس يوحنا ‘ تباركا بيوحنا المعمدان ‘ ويقدمون ضحية بذبيح لا يكسر منه عظم ‘ومن دم الضحية يطبعون كف مغموسة بالدم على الجدران والأبواب تمثلا بذبيحة الفصح‘ومازال النوبيين حتى اليوم يستغيثوا بالقديسة العذراء مريم ويقولون ماريا ‘ فى حالات الولادة المتعثرة‘ وأيضا يستعملون علامة الصليب ‘فقد وجدوا الأطباق التى يزينون بها بيوتهم لأبعاد الشرير علامات تشكل فى حقيقتها علامة الصليب. ووجدوا أن أسماء كثيرة مسيحية يتخذها النوبيين والسودانيين مثل –إسحق إلياس وبنيامين ومريم وغيرها الكثير.
 
تاريخ ممتع وعريق أتمنى أن لا تبخل الدولة على أبنائها النوبيين بتدريسة ضمن مناهج التاريخ ‘ أن دولة النوبة تمتد جذورها إلى الفراعنة ‘تاريخ مجيد ‘ مهما كان السبب فى تحولهم من المسيحية إلى الإسلام ‘فهم فى الحقيقة جزء من أرض وادى النيل العريق كما نحن أيضا. وأرجوا أن أكون قد أجبت على أسئلة قراء الأقباط المتحدون ‘ ولو إنى أوجزت كثيرا فالمراجع لا تعد ولا تحصى ‘ ولهذه الحضارة كراسى أكاديمية فى كل جامعات العالم ‘ولعلنا نحتذى بهم ‘ لأنه تاريخ يفتخر به كل مصرى أمام العالم.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter