د. سامح فوزى
يُمثل 30 يونيو 2013 حدثًا استثنائيًا ليس فقط فى مصر، ولكن فى محيطها الإقليمى، والسبب أنه قوض الرهان الذى عاش الإسلام السياسى يروجه على مدار عقود، وهو أنه أقوى التنظيمات شعبيًا، وإن الجماهير تترجى البديل الذى يتبناه، وانطلى ذلك على دوائر السياسة والبحث فى الغرب، ولكن خروج الجماهير بالملايين فى ذلك اليوم منذ عشر سنوات وضع نهاية لهذا الرهان مصريًا، وتوالى سقوطه إقليميا بعد ذلك من السودان إلى تونس، فضلا عن تراجعه فى المغرب والأردن.
ولكن الإسلام السياسى، بحكم تكوينه، أدرك أن الأرض اهتزت من تحته، فاتجه إلى الحفاظ على حاضنته اجتماعيًا، أملا فى العودة سياسيًا. ومما يدل على ذلك الحرص على ترويج ثقافة التعصب فى مواجهة المختلفين سياسيا ودينيًا على وسائل التواصل الاجتماعى، والتشكيك الدائم فى أداء الدولة المصرية، وبث الشائعات مستغلا التحديات الاقتصاديةبهدف تقويض الثقة فى المؤسسات العامة، وتأليب الرأى العام. وأكثر من ذلك، تكفير المختلفين دينيًا وسياسيًا فى خلطة واحدة، حيث يصدر عن المنابر الإعلامية التابعة للإسلام السياسى خطابات تحريضية ضد الحكم والجيش والأزهر والكنيسة والقوى المدنية معًا، فى خلطة سياسية مضطربة تثبت أن الغرض ليس المعارضة السياسية، ولكن هدم الدولة ذاتها، وإحداث الفوضى. واللافت أن المجتمع لم يستجب إلى كافة النداءات المظلمة التى يتلقاها طيلة سنوات لم تخل من تحديات صعبة.
ما أريد قوله إن التحدى الذى واجه الشعب المصرى، وانتفض من أجله فى 30 يونيو، لم ينته، فلا يزال قائمًا، مما يجعل هناك ضرورة دائمة فى العمل على بناء الدولة المدنية فى وجه المحاولات المضادة المستمرة، ولاسيما بعد أن تغيرت خرائط التحالفات الإقليمية فى غير صالح الإسلام السياسي. هناك عدد من المحاور التى ينبغى أن تظل بؤرة اهتمام المجتمع فى سعيه للحفاظ على 30 يونيو، روحًا ومعنى وبناءً.
أولا: المضى فى جهود التنمية بهدف مواجهة الفقر والتهميش الاجتماعى، وتطوير البنية الأساسية، وتحسين نوعية الحياة لقطاعات عريضة من المصريين.يرتبط ذلك بالتمكين الاقتصادى، والتنمية البشرية، وتعظيم الإنتاج.وهناك قضايا من قبيل التوسع فى فرص الاستثمار، وزيادة الصادرات والحد من الواردات، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد فى بؤرة اهتمام الدولة فى الوقت الراهن.
ثانيًا: تأكيد أهمية الحوار الوطنى فى بناء مشتركات حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والانفتاح السياسى وحرية الرأى والتعبير، وهو يمثل تجديدًا دائما للتحول الذى حدث فى 30 يونيو، ويضخ حيوية سياسية فى شرايين المجتمع، خاصة بعد تراجع خطر الإرهاب، وتطلع شرائح واسعة من القوى السياسية ولاسيما الشباب إلى المشاركة.
ثالثًا: الاهتمام بنشر الثقافة المدنية فى مؤسسات التعليم، باعتبارها المجال الحيوى لتكوين النشء والشباب، من خلال تأصيل قيم وممارسات التربية المدنية المتمثلة فى ثقافة المواطنة، والمشاركة، واحترام الاختلاف، وتعزيز التنوع، وقبول الآخر، والتطوع فى خدمة مبادرات التنمية فى المجتمع، وهو ما يجعل التكوين الذهنى والنفسى للأجيال القادمة يرفض تلقائيا العنف، ومحاولات التسلط على الناس باسم الدين، وترويج التعصب وخطابات الكراهية ورفض الآخر، فضلا عن أن المشاركة فى جهود التنمية تتيح لهم الاطلاع على تطوير نوعية الحياة فى المجتمع، ويصبح المواطن مالكًا لها، ومدافعًا عنها، وليس فقط متلقيًا لها.
رابعًا: تكوين نظام محلى قادر على استيعاب جهود التنمية والمشاركة، وتمكين المجتمعات المحلية اقتصاديًا، بحيث تصبح قادرة على استيعاب الشباب من خلال فرص عمل جادة، ولا تكون مجتمعات طاردة لهم، وهى منظومة تشمل تطوير القدرات الإنتاجية، والتكامل فى الإنتاج، والتسويق الجيد للمنتجات، كل ذلك فى ظل سياق يقوم على المشاركة والمساءلة، ونشر الممارسات الإدارية السليمة على المستوى المحلي.
خامسا:التصدى لمحاولات نشر التعصب والكراهية والتمييز فى المجتمع، باعتبارها ليس فقط ضد قيم المواطنة والتسامح، ولكنها أيضا ضد فلسفة وروح 30 يونيو، التى قامت ضد محاولات تحريف الهوية الوطنية، وإساءة استخدام الدين فى السياسة لخدمة تيارات تريد الهيمنة والتمكين على حساب الشعب المصري.
هذه المحاور تمثل مجالات خمسة أساسية ينبغى العمل عليها بهدف 30 يونيو'>الحفاظ على مقاصد 30 يونيو، والتى انطلقت من الرغبة العارمة فى تحقيق دولة مدنية تنموية ديمقراطية حديثة، تسع كل مكونات الشعب، المؤيد والمعارض على حد سواء، طالما أن الجميع ينطلق من أرضية وطنية.
نقلا عن الاهرام