الأقباط متحدون - الدين والأخلاق (1)
أخر تحديث ٠٣:٠٥ | الخميس ٨ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢٨ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٣٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الدين والأخلاق (1)

 بقلم: إسماعيل حسني

 
إذا كان ضعف الأداء السياسي لجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين منذ وصولها إلى الحكم قد جاء صادما لعامة الناس، فإن انحدار الأداء الأخلاقي لهذه الجماعات كان الصدمة الكبرى التي أصابت حتى أشد معارضيها بالذهول، إلى الحد الذي دفع الكثيرون هذه الأيام إلى الترحم على الأخلاق في عهد النظام البائد. 
 
فقد رأى الناس هذه الجماعات منذ اليوم الأول لسقوط مبارك وهي تخون الثورة وتندفع إلى صفقة تقاسم سلطة مع فلول النظام من العسكريين، ورأوها وهي تقدم مصالحها على مصلحة الوطن في قضايا الدستور والإستفتاء والإنتخابات، ورأوها وهي تكذب وتخلف الوعود المرة تلو الأخرى، سواء حين تعهدت بعدم التقدم بمرشح للرئاسة، أو حينما ادعت زورا امتلاكها لمشروع متكامل للنهضة، كما فجع الناس بالممارسات اللاأخلاقية لقيادات وكوادر هذه الجماعات حين يصرحون ثم ينفون تصريحاتهم، وحين يتهجمون على الضيوف في البرامج الفضائية، وحين يتهمون الناس في ذممهم وأعراضهم، وحين يتجمهرون في ساحات القضاء لإرهاب القضاة وضرب الخصوم والمحامين، وحين يتسلطون على الناس ويقتلونهم في الشوارع بحجة الأمر بالمعروف، ناهيك عن شراء الأصوات في الإنتخابات والإدعاءات الكاذبة والفضائح الجنسية الفاحشة. 
 
هذا الإنحدار الأخلاقي العام الذي ظهرت به جماعات الإسلام السياسي والذي لا يمكن وصفه بأنه مجرد أخطاء فردية دفع الناس للتساؤل عما إذا كان هؤلاء حقيقة متدينون، أم أنهم مجرد تجار دين لا يهتمون بالسلعة التي يبيعونها بقدر اهتمامهم بما تدره عليهم من أرباح ؟ خاصة وأن هذه الجماعات تقدم نفسها للناس باعتبارها رمزا للأخلاق الحميدة، وحامية حمى الفضيلة.
 
هذه الأسئلة تلح على أذهان العامة انطلاقا من فرضية خاطئة نجح الكهنوت الديني في تسويقها تقول أن الإنسان يستمد منظومته الأخلاقية من الأديان، وشاع هذا الإدعاء واستقر في عقول الناس وكأنه حقيقة علمية لا تقبل النقاش. فأصبح يقال أنه لا أخلاق بلا دين، ومن لا دين له لا أخلاق له، وأن التدين دليل حسن الخلق، وأنه من أجل المحافظة على القيم الأخلاقية يجب أن تكون المرجعية العليا في المجتمع مرجعية دينية. 
 
والحقيقة أن هذا الإدعاء هو أحد الأوهام التي يقوم الكهنوت الديني بزرعها في عقول الناس ليخفي وراء إيحاءاتها النبيلة هدفه الحقيقي في السيطرة على عقولهم وضمائرهم لمصلحة النظام السياسي الذي يعمل في خدمته، ولتعظيم دور رجال الدين وانتشالهم من حالة الفقر والعوز باعتبارهم فئة غير منتجة في المجتمع، فهم ليسوا فقط حماة العقيدة الدينية، بل هم أيضا حماة القيم الأخلاقية.
 
وفضلا عن افتقار هذا الإدعاء إلى أي دليل معرفي يؤيده، فإنه يخالف الأصول الصحيحة لجميع الأديان. فالإسلام مثلا لم يدع أنه أصل أو منشأ القيم الأخلاقية إذ يقول الرسول في وضوح تام أنه قد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، أي ليهذبها مما قد يكون علق بها من شوائب عند البعض، ويؤكد ذلك في حديث آخر يقول خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إن فقهوا، أي أن الأخلاق الحميدة كانت موجودة وفاعلة قبل البعثة وقبل جميع الأديان. فلا يستطيع عاقل أن يدعي أن الإنسانية لم تكتشف الشر الكامن في جرائم مثل القتل والكذب والغش والسرقة، ولم تعرف فضائل الأمانة والصدق والتراحم والبر والتعاون وغيرها إلا بعد أن أخبرتها الأديان بذلك، بدليل أننا نرى كثيرا من المجتمعات اللادينية تتفوق اليوم أخلاقيا وسلوكيا على المجتمعات المتدينة. وللحديث بقية. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter