عادل نعمان
ولأن الميزان التجارى مع الله قد تخطى العجز فيه السالب المسموح، وتجاوزنا فيه كل الخطوط الحمراء فى السحب على المكشوف، وعطاءات الله قد غطت وفاضت دون الشكر المحمود والمطلوب من خلق الله.. فإن مشايخنا الاقتصاديين قد توصلوا إلى حل علمى عبقرى لسد هذا العجز الخطير وسداد المستحق لله، حفاظا على التوازن فى العطاء واستمرار الدعم الإلهى لعباده
وعبقرية مشايخنا متوهجة وحاضرة لسد العجز المالى فى هذا الإعجاز الذى أذهل العالم اكتشافه وإبداعه، وهو إجازة التقسيط المريح لأعباء وتكاليف الشعائر الدينية من حج وصدقة وأضحية «وعلى قد الجيب».. وهو نوع جديد من التضامن والتشارك الأسرى، أن تتولى الأجيال القادمة سداد تكاليف شعائر الآباء والأجداد، كما تتحمل الأجيال القادمة سداد قروض ومديونيات الأجيال الحالية.
وهو ظلم لو تعلمون عظيم، وأمر فى علم الغيب، وربما لا يقدر عليه صاحب الشأن أو أولاده، وتكون «الشعيرة معلقة» لحين سداد باقى الأقساط، أو يسترد الورثة ما سدد وأنفق من أقساط حين يعجزون عن السداد.. وساعتها يبحث لنا مشايخنا عن مخرج شرعى لفوائد ما تم سداده من الأقساط.
وإذا كان الحج لمن استطاع إليه سبيلا بالأمس، فيكون لمن استطاع إليه هو وأبناؤه اليوم وغدًا.. والقدرة لم تعد قدرة الحاج فقط، بل قدرته وأبنائه وربما أحفاده من بعده.. ويا للعجب العجاب، فكيف يفهم هؤلاء هذه الآية «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، وكنا ومازلنا نفهم الآية على الآتى: أن الاستطاعة هى القدرة والطاقة المالية والبدنية للفرد ذاته وفى زمن معين معلوم وإلا سقط عنه الفرض، والحج لمرة واحدة فقط، وإن زاد فهو تطوع.
والاستطاعة هنا أيضا كل ما فاض عن حاجة الشخص وأهله، وبعد توفير نفقات مَن تلزمه نفقتهم وحاجاتهم من مأكل ومشرب ومسكن، إضافة إلى ما يحتاجه الأبناء من تعليم وعلاج ونفقات زواج، وما زاد على ذلك وكفى دون حرج فهو للحج مقبول ومسموح.
وتُقدم الزكاة على الحج، والدين حتى لو لم يحل أجله، وكذلك الزواج إن لم يكن متزوجا، فكيف تتحول القدرة والاستطاعة للشخص ذاته فى وقت الحج ليس غيره إلى قدراته وإمكانياته هو وأولاده اليوم وغدا وربما بعد الغد، وكلهم فى علم الغيب مجهول ومستور.
.. ثم يأتى دور صكوك الأضاحى بالتقسيط المريح، وليعلم هؤلاء أن هذه السُّنة للقادر عليها فقط، وهى ليست واجبة أو ملزمة، واسألوا أهل الذكر لماذا تركها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب؟.. والثابت تاريخيا أن أبا بكر وعمر كما جاء فى تفسير بن كثير قال: «أبو سريحة كنت جارا لأبى بكر وعمر، وكانا لا يضحيان خشية أن يقتدى الناس بهما».
وفيما قاله الإمام الطحاوى فى هذا الأمر: «حتى لا يظن الناس أنها واجبة عليهم».. فكيف إذا كانت غير واجبة ثم نلزم بها غير القادر عليها، بل نشق عليه وعلى أولاده فى تقسيط ثمنها، وقد يموت المقترض أو المضحى قبل الوفاء بثمنها؟!.
أيها السادة.. الأضحية سُنة نعم.. وغير واجبة نعم أيضا، يؤجر ويثاب عليها من قام بها ولا ذنب ولا إثم لغير القادر عليها أو حتى كان قادرا وامتنع عن أدائها.. فكيف بالله عليكم نعضل الناس ونثقل عليهم ونحمّلهم بما ليس فى طاقتهم، ونكلفهم بما ليس فى محله، وقد فهمها صحابة النبى أبوبكر وعمر.
ولا أتصور أن يكون الدافع للتقسيط أو الاستدانة إلا عدم القدرة والاستطاعة على السداد الفورى، وإلا وجبت الشعيرة فى حينها ومِن حُر مال القائم عليها، ونقطة المعادلة هنا واضحة وقاطعة.
ولا أتصور أيضا أن ديننا الحنيف يشق على الفقراء والبسطاء ويحولهم إلى غارمين يوما ما، يسألون الناس سداد ما بقى من أقساط الشعيرة، أو ينتظرون فى الحبس حتى ينالهم سهم الغارمين من زكوات القادرين، وهم المستحقون لها إن كانت أضحية، وغير المكلفين بها إن كان الحج.
أيها السادة أصحاب قرارات التقسيط المريح، إن القاعدة الرئيسية «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به، ولا يشق على خلقه، ويعفو عن كثير.. وهو الرد المنطقى على هذه الإجازة التى أقرها الفقهاء؛ لأنها (من قبيل المرابحة، وهى نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعا، التى يجوز فيها اشتراط الزيادة فى الثمن فى مقابلة الأجل.
وتأخذ هذه الخدمات حكم السلعة فى إمكان التعاقد عليها بثمن حال أو مقسط، ويجوز عندئذ دخول جهة ثالثة للتمويل أو الوكالة أو السمسرة). ولا تعليق على فتوى دار الإفتاء إلا أننا لسنا بصدد بيع سلعة، ولا مجال هنا للسمسرة.. أعيدوا الأمور إلى نصابها، وإذا كان بعض الأئمة قد أجاز الحج على هذا النحو.
ربما كان لسبب خاص، ولحدث وظرف معين بذاته وليس ملزما لغيره، فإن ظروف الحياة تحتم علينا ألا نضيف على كاهل الناس أعباء أخرى.. فكيف إذا كان هذا العبء مقدمًا لمن يحمل عن الناس أعباءهم وأرزاقهم؟»
«الدولة المدنية هى الحل»
نقلا عن المصرى اليوم