محرر الأقباط متحدون
في رسالة وجهها إلى مجموعة الحزب الشعبي في البرلمان الأوروبي تطرق البابا فرنسيس إلى مواضيع عديدة من أجل بناء أوروبا موحَّدة قادرة على مواجهة التحديات. وأشار قداسته إلى أهمية قيم ومبادئ العقيدة الاجتماعية للكنيسة.
وجه قداسة البابا فرنسيس من مستشفى جيميلي رسالة إلى النواب أعضاء مجموعة الحزب الشعبي الأوروبي في البرلمان الأوروبي، وأراد التأمل فيها حول عدد من المواضيع. تحدث قداسته أولا عن كون البرلمانيين ممثلين للمواطنين وأضاف أنه مع الانتخابات الأولى للبرلمان الأوروبي كان هناك اقبال من قِبل المواطنين وذلك لكون هذا أمرا جديدا وخطوة هامة إلى الأمام في بناء أوروبا الموحدة. إلا أن هذا الاقبال قد تراجع ومن الضروري بالتالي الاهتمام بالعلاقة بين المواطنين والبرلمانيين.
موضوع آخر أراد البابا فرنسيس التأمل فيه هو التعددية، وأشار إلى أنه من الطبيعي أن تكون هناك تعددية داخل مجموعة برلمانية كبيرة، إلا أنه يجب أن يكون هناك اتفاق فيما يتعلق ببعض القضايا التي تمس القيم الأخلاقية الأساسية. وتحدث الأب الأقدس في هذا السياق إلى أهمية التفكير في تنشئة دائمة للبرلمانيين وعن حاجة هذه المجموعة البرلمانية أبضا إلى لحظات دراسة وتأمل للتعمق والتحاور حول القضايا الأخلاقية الأكثر أهمية، خاصةً وأن هذا أمر يتعلق بالضمير ويسلط الضوء على جودة مَن يمارس السياسة. وأضاف البابا أن على السياسي المسيحي أن يتميز بالجدية في التعامل مع المواضيع رافضا الحلول الانتهازية ومحافظا دائما على معايير كرامة الإنسان والخير العام.
وواصل البابا حديثه إلى أعضاء المجموعة البرلمانية مشيرا إلى أن لديهم إرثا غنيا يمكن الاستلهام منه لتقديم إسهامهم المميز في السياسة الأوروبي، ألا وهو العقيدة الاجتماعية للكنيسة. وأعطى قداسته مَثَل مبدأي التضامن والتكافل واللذين تعود كيفية تطبيقهما في تكامل فيما بينهما إلى الفكر الاجتماعي والاقتصادي المستلهم من المسيحية.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن رؤية لأوروبا تجمع بين الوحدة والتنوع. وذكَّر قداسته بأنه شدد على هذا الموضوع خلال زيارته الأخيرة إلى المجر. وواصل مشيرا إلى أوروبا تُثمِّن الثقافات المختلفة التي تتألف منها وغناها فيما يتعلق بتقاليد ولغات وهويات شعوبها وتاريخها، أوروبا قادرة في الوقت ذاته من خلال مؤسساتها ومبادراتها السياسية والثقافية على أن تجعل هذه الفسيفساء الغنية تشكل تركيبات متناسقة. ويتطلب هذا إلهاما قويا، قال البابا فرنسيس، يتطلب روحا كما ويستدعي الأحلام، التحليق، رؤية سياسية عالية. وكي تواجه أوروبا الموحَّدة ما أمامها من تحديات عالمية في القرن الحادي والعشرين هناك حاجة إلى إلهام قوي وسامٍ. وقال قداسته لأعضاء مجموعة الحزب الشعبي إن عليهم أن يكونوا أول من يستفيد من أمثلة وتعليم الآباء المؤسسين لأوروبا. وأشار البابا إلى ضرورة التركيز لا فقط على تنظيم يحمي مصالح الدول الأوروبية، بل على اتحاد يمكن فيه للجميع أن يعيشوا حياة أخوية وعادلة.
وأراد الأب الأقدس التشديد هنا على كلمة "أخوية" مذكرا بأن الأخوّة والصداقة الاجتماعية هما الحلم الكبير الذي تَقاسمه مع الكنيسة ومع الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة. وتابع معربا عن قناعته بأن الأخوّة يمكنها أن تكون مصدر إلهام لمن يريد اليوم إنعاش أوروبا، وذلك كي تجيب بشكل كامل على تطلعات شعوب أوروبا والعالم بأسره. وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أنه يمكن التعرف على السياسيين المسيحيين بفضل قدرتهم على ترجمة حلم الأخوّة الكبير إلى أفعال ملموسة لسياسة جيدة على الأصعدة كافة. وأعطى قداسته مثالا تحديَي الهجرة والعناية بالكوكب، وقال: يبدو لي أن بالإمكان مواجهتهما فقط انطلاقا من هذا المبدأ الملهِم الكبير: الأخوّة الإنسانية.
وجه البابا فرنسيس بعد ذلك الدعوة إلى عدم نسيان الأصول، أي كيف نشأت أوروبا ومأساة حروب القرن العشرين. وتابع أن العمل التدريجي الدؤوب لبناء أوروبا الموحدة كان يَستلهم من فكرة خلق فسحة يمطن العيش فيها في حرية وعدالة وسلام مع احترام الجميع في اختلافاتهم. وتابع أن هذا النموذج هو في اختبار اليوم أمام العولمة، ولكن يمكن إعادة إطلاقه من الإلهام الأصلي الذي هو آني وخصب لا فقط بالنسبة لأوروبا بل للعائلة البشرية بكاملها، قال الأب الأقدس.
وفي ختام رسالته أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء على أن أكثر مَن يعيشون أوروبا الموحَّدة هم الشباب، وأشار إلى توجه الشباب للدراسة أو التخصص إلى بلدان أخرى وتحدث عن أوروبا كأفق للأبحاث وللعمل. شجع الأب الأقدس بعد ذلك أعضاء مجموعة الحزب الشعبي في البرلمان الأوروبي على السير قدما بشجاعة ورجاء بمساعدة الله، راجيا أن يكون الإنجيل نجمهم والعقيدة الاجتماعية بوصلتهم. ثم بارك البابا فرنسيس الجميع سائلا إياهم الصلاة من أجله.