فاطمة ناعوت
صدمتنا الصحفُ بخبر عن عائلة من ليبيريا تعيشُ فى أمريكا قد «تبرأت» من «صغيرتها»؛ لأن أربعة من «الصغار» «اغتصبوها»!.. مقدمةُ الجملة السابقة عجبٌ، وخاتمتها عجبٌ، وكلُّ ما بين القوسين عجبٌ!. يقولُ الخبرُ إن طفلةً لها من العمر ثمانية أعوام، غرّر بها بعضُ صِّبية تتراوح أعمارهم بين التاسعة والأربعة عشر!، قدّموا لها قطعة من اللبان، ثم استدرجوها إلى مكان ناء، وتناوبوا اغتصابَها!.
كلُّ ما سبق ردىءٌ ومقزّزٌ ومُخجلٌ ويشى بأن خيطًا من الجمال والبراءة والسُّموّ ينسحبُ من بساط كوكبنا التعس ولا يعود. فالمُعتدون ليسوا إلا حِملانًا صِغارًا تحوّلوا فى لحظة خاطفة إلى ذئابٍ بارزة الأنياب، راحت تنهشُ حمَلا صغيرًا مثلهم!. حكاية موجعة ومُدهشة، لكن الأعجبَ وجعًا وإدهاشًا هو ردّة فعل أسرة الطفلة المغتصَبة.
إذْ بدلًا من احتضانها وعلاجها، أعلن الأبوان للشرطة الأمريكية، التى ألقت القبض على الجُناة، أن الطفلةَ أساءت لشرف العائلة، ولا محلَّ لها فى البيت بعد الآن، وعليها أن تبحث لنفسها عن مأوى!، فتولّت أجهزة الخدمة الاجتماعية فى «فينيكس» عاصمة ولاية «أريزونا» الاهتمامَ بالطفلة، بعدما أعلنت السُّلطات أن القانون لا يمكنه ملاحقة العائلة قضائيًّا!.
ومن مانشيتات الصحف حول العالم أطرح عليكم هذه الأخبار العجائبية المشابهة: «العروس تبلغ من العمر ثمانى سنوات، وعريسها الخمسينى ذو الزوجتين. وتمَّ الزواج مقابل سداد ديون والد الطفلة!». وفى خبر آخر نقرأ عن شيخ سبعينى بإحدى المدن العربية رضخ لضغوط قضائية لتأجيل دخوله بزوجته، ذات الأعوام العشرة، لمدة خمس سنوات ريثما تنضج.
ويعلن خبرٌ آخر أن رجلًا خمسينيًّا رفض التراجعَ عن قراره بالزواج من طفلة فى السادسة، قائلا إنه لا يرتكب محرّمًا، ذاك إن الشرعَ لم يحدد عُمرًا للزواج. وفى جريدة أخرى نقرأ عن صَبيّة مراهقة حاولت الانتحار ليلة زفافها إلى عجوز فى الخامسة والسبعين مقابل أن يتزوّج أبوها من ابنة العريس ذات الثلاثة عشر عامًا!. وفى جريدة أخرى نقرأ عن أبٍ قد زوّج طفلته ذات العشر سنوات من شيخ فى الستين مقابل حفنة ضخمة من المال.
وبعدما انهارت الحالة الصحية والنفسية للطفلة؛ حاول أبوها استرداد ابنته، لكن العريس رفض تطليقها إلا بعد استرداد ماله، وحين رفض الأبُ إعادة المال، تبّرعتِ إحدى الأميرات برد المبلغ لإنقاذ الطفلة.
وفى مملكة «الأردن» الشقيق، سنّتِ الحكومةُ قبل سنوات قانونًا يرفعُ سنَّ زواج الفتيات من ١٥ إلى ١٨ عامًا. والمدهشُ والموجعُ أيضًا أن القطاع النسائىّ فى حزب جبهة العمل الإسلامى رفضن هذا القانون، مُتعلّلات بأن ذلك من شأنه أن يزيد مشكلة العنوسة تفاقمًا!.
وعلى النقيض من ذلك، فى «اليمن» الشقيق، تظاهرت مئاتُ الفتيات قبل سنوات أمام مقر البرلمان فى صنعاء للمطالبة بسَنّ قانون يحدّد سِنَّ الزواج للبنات بـ١٨ عاما، للحدّ من ظاهرة زواج طفلات دون العاشرة بأثرياءَ كهول يستغلون فقر الصغيرات فيما يُعرَف بـ«الزواج السياحى»!، ونجحت تلك الفتيات المناضلات فى الحصول على مليون توقيع من كل أوساط المجتمع اليمنى على البيان الذى أصدرنه ثم قدمنه إلى البرلمان.
وكما هو متوقع، رفض بعضُ النواب الأصوليين هذا المطلب «الإنسانى العادل» تحت زعم مخالفته الشريعة الإسلامية!. وفى «كينيا»، نقرأ عن قاضٍ متقاعد أنجب من سبع زوجات خمسين ابنًا وابنة، وبالطبع يعجزُ تمامًا عن تذكُّر أسمائهم وتواريخ ميلادهم وأسماء أمهاتهم!.
يحدث كلُّ ترويع الأنثى ذاك ونهش لحم الصغيرات قبل حتى أن يتشكّل وعيهن بأجسادهن، وقبل أن يدركن حقهن الإنسانى فى الحياة الكريمة.. بل ربما يرين أن من طبائع الأمور التعامل معهن بوصفهن سلعة تُباع وتُشترى، لا برغبتهن هنّ، بل برغبة المالك الشرعى لهن: الأب أو الشقيق!، وأن من حق البائع والمشترى إبدالها واستبدالها والمتاجرة بجسدها، وبالطبع من صميم حق المشترى ومن قبله البائع قمعها وضربها وإذلالها.
الأخطر من كل ما سبق هو رضوخ الفتاة فى كثير من الأحيان وتواطؤها مع جلاديها على نفسها، إما لأنها لا تدرى أن من حقها الرفض، وإما لأنها تدرك حقوقها لكنها تخشى العقاب.
وبعد ما سبق من مآسٍ وكوارثَ، دعونى أختتم مقالى بشىء مبهج. البروفيسور «لورى مارينو» Lori Marino، عالمة البيولوجيا المتخصصة فى طب النفس والأعصاب بجامعة إيمورى الأمريكية ومؤسسة إحدى جمعيات الدفاع عن الحيوان وإيواء الحيتان، قدمت لجامعة «إيمورى» دراسة علمية تنادى توصياتها بالتوقف عن استخدام الدلافين كأداة ترفيه بحرية؛ حيث أثبتت بالبراهين العلمية أن تلك الممارسات «تؤذى مشاعرَ تلك الحيوانات الذكية ذات الشخصية اللطيفة!».
قالت «لورى» إن توسُّل الحيوان فى متعة الإنسان والترفيه عنه أمرٌ غير أخلاقى يجب التوقف عنه عالميًّا على الفور، لأن من حقِّ تلك الكائنات الطيبة الحياة باستقلالية وكرامة دون التعرّض للصدمات النفسية!.. وليت للمرأة مثل حظ الدلافين!.
نقلا عن المصرى اليوم