ياسر أيوب
لم يكن ما جرى منذ يومين فى استاد إيبروستار بمدينة بالما دى مايوركا مجرد حكاية كروية إنما أجمل وأعمق وأهم من ذلك .. ففى مقابل هؤلاء الذين يتوهمون أنهم أبدا لا يخطئون هناك الإنسان العادى الذى يصيب ويخطئ وينجح ويفشل .. وفى مقابل هؤلاء الذين ليسوا على استعداد للتسامح والغفران هناك من يدركون أن لكل إنسان قوته وضعفه ومزاياه وعيوبه .
وفى ذلك الاستاد يوم الأحد الماضى أقيمت مباراة ريال مايوركا أمام فاليكانو فى الأسبوع الأخير للدورى الإسبانى التى كانت آخر مباراة يقوم بإدارتها الحكم الإسبانى أنطونيو لاهوث .. وفوجئ أنطونيو بعد صفارته الأخيرة بلاعبى الفريقين يقفون على الجانبين ليمر بينهم وهو يغادر الملعب لآخر مرة .. وقبل أن يصل أنطونيو إلى أسرته التى كانت فى انتظاره سبقته دموعه وهو يصغى لتحية وتصفيق لاعبى الفريقين و14 ألف متفرج فى المدرجات.
وتخيل البعض أنه كان مشهد وداع حكم كرة عظيم وقدير وتكريم يستحقه بعد مشوار طويل دون أزمات وأخطاء .. ولم يكن كل ذلك صحيحا للأسف .. فالناس فى إسبانيا كلها كانوا يودعون إنسانا يبتعد سواء كان حكما أو لاعبا أو يعمل فى أى مكان ومجال .. وكان من الممكن أن يستغل الإسبان هذه اللحظة لإطالة الحديث عن أخطاء وعيوب أنطونيو كحكم فى نهاية مشواره إلا أنهم رأوها لحظة تستحق نسيان أى أخطاء قديمة والتغاضى عن أى عيوب .
ولم ينتقد هذا المشهد هؤلاء الذين لا يرون إلا العيوب والأخطاء فقط وتؤلمهم أى كلمة طيبة تقال عن أى أحد.. وقد كان أنطونيو حكما أثار الجدل دائما وسبق اتهامه أكثر من مرة بالميل إلى الاستعراض .. وآخر أزماته كانت فى مباراة الأرجنتين وهولندا فى دور الثمانية للمونديال الماضى فى الدوحة حين استخدم البطاقة الصفراء 17 مرة والحمراء مرتين فى سابقة أولى من نوعها، وقرر الفيفا إعادته إلى بلاده .
وقبل ذلك سبق له إخراج البطاقة الصفراء 15 مرة والحمراء 4 مرات فى مباراة بين برشلونة وإسبانيول .. ولم ينج من هذه البطاقات لاعبون ومدربون ومن هم داخل الملعب أو على مقاعد الاحتياط أو حتى فى الممرات الداخلية للملاعب .. حتى إنه أخرج أربع بطاقات صفراء مرة واحدة فى مباراة بين مايوركا وخيتافى .. وكان معظم الأوقات متهما بالانحياز لريال مدريد وسبق أن انتقده مدربون فى الدورى الإسبانى لأنه اعتاد تعطيل اللعب لمجرد إجراء أحاديث طويلة مع اللاعبين .
وكل ذلك قرر الإسبان نسيانه فى يوم اعتزال أنطونيو فلم يذكروا له إلا نجاحاته فقط كحكم قدير بدأ مشواره 1999 وأدار 288 مباراة فى الليجا الإسبانية منذ 2008 وحكم دولى منذ 2011 .. وشارك فى تحكيم تصفيات ونهائيات كأس العالم 2018 و2022 والدورة الأوليمبية 2016 ونهائى أبطال أوروبا 2021 .
واضطر أنطونيو الذى ينتمى لإحدى قرى إقليم فالنسيا لاحتراف التحكيم بعد وفاة والده حيث كانت أسرته الكبيرة فى حاجة للمال .. وهو الآن يريد العودة لوظيفته الأولى كمدرس تربية رياضية.
نقلا عن المصرى اليوم