بقلم منير بشاى
ثقافتنا الشرقية تحمل تحيزا واضحا ضد الأطفال. أحيانا نحاول تبرير ذلك بالقول انه جزء من تقاليدنا الشرقية التى تتطلب من الصغير احترام الكبير، وهو تقليد طيب ينبغى الحفاظ عليه. ولكن المشكلة تحدث عند المغالاة فى فرض هذا التكريم ليصل الى الانتقاص من حق الأطفال فى الشعور بالكرامة الانسانية التى تراعى احتياجاتهم وتساعدهم على النمو السليم ليصبحوا رجالا ونساء أصحاء نفسيا وجسديا وعقليا، وصالحين لتنشئة أجيال سوية.
نظرتنا الدونية الى الطفل ليست جديدة. فالاعتقاد السائد منذ القديم كان يفرض على الأطفال عدم التواجد فى مجالس الكبار. وكمثال ما جاء فى الانجيل ان تلاميذ السيد المسيح كانو يمنعون الاطفال من الوصول الى مجلسه معطين الأفضلية فى ذلك للكبار. فيقول الانجيل "وقدموا إليه أولادًا لكي يلمسهم. وأما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم. فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم: دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله" مرقس 10: 13 و14. لقد سجل الانجيل عن السيد المسيح أنه غضب عندما رأى التجار يستخدمون الهيكل الذى هو مكان العبادة للتجارة والغش. ولكن فى هذه المرة تزداد حدة الغضب المسيح لتصل االى الغيظ ، ويوجه غيظه ليس للخارجين عن الدين بل الى الدائرة الخاصة من المقربين له وهم التلاميذ لأنه رآهم يسيئون معاملة الاطفال، فالاطفال فى نظر السيد المسيح كالكبار تماما متساوون معهم فى القيمة الانسانية والميراث السمائى.
اضطهاد الاطفال فى مجتمعاتنا ظاهرة معروفة. وهى تتراوح فى قسوتها بين التحقير الذى يحرم علي الاطفال مجرد التواجد فى مجالس الكبار، الى تحريم حقهم فى الكلام وابداء الرأى، الى ممارسة العنف ضدهم بحجة التأديب بالضرب المبرح فى البيت والمدرسة من أمثلة ذلك معلمة الأقصر التى كسرت أصبع تلميذتها بسبب خطأ فى الواجب المدرسى المنزلى. وأيضا المعلمة المنتقبة التى قصت شعر فتاتين بالابتدائى بسبب عدم ارتدائهن الحجاب. وما تردد أخيرا من عمليات التحرش الجنسى ضد أطفال أبرياء اٍستأمنهم أولياء أمورهم لمدرسين متوحشين.
وظاهرة استهداف الأطفال تنعكس فى مسودة الدستور المصرى الجديد. وكانت الجمعيات الاهلية المعنية بحقوق الطفل متمثلة فى الائتلاف المصرى للطفل قد تقدم بما يعتقده الصياغة المثلى لما يختص بحقوق الطفل فى باب الحقوق والحريات. وكان هذا يتضمن عبارة ان الدولة تلتزم برعاية وحماية الطفل من كافة اشكال سوء المعاملة. ولكن جاء نص مسودة الدستور ليحذف هذه العبارة. والسبب ربما لحماية أولياء الأمور على حساب حماية الأطفال. وصيغت بقية المواد بشكل يبيح عمالة الاطفال فى مجتمع يعانى من بطالة الكبار.
وتعالت أصوات تنادى بالنص فى الدستور على تخفيض سن الزواج للفتيات الى التاسعة. هذا مع ان مصر موقعة على اتفاقية حقوق الطفل التى تنص على ان سن الطفولة يمتد الى الثامنة عشرة، ومع ان الزواج المبكر يحد من امكانية تعليم الفتاة فى المرحلة الالزامية. ناهيك ان الممارسة الجنسية مع طفلة، ووضع مسئولية الزواج والانجاب ورعاية الاسرة وتربية الأطفال على أكتاف طفلة هو جريمة فى حق الطفلة، وتوصيفة مؤكدة للفشل الأسرى والمجتمعى.
يضاف الى هذه ما يجرى حاليا والذى يعتبر بيع البنات كنتيجة لانتشار الفقر فى المجتمع المصرى. وهو ما يسمى زواج الصفقة والذى أودى ببعض الاسر بالاتجار ببناتهن الصغيرات بتزويجهن من أثرياء العرب الذين يأخذون الفتيات الى بلادهم واحيانا يكون الهدف استخدامهن لأغراض الدعارة.
وقد يأخذ هذا الزواج صورة ما يسمى الزواج السياحى وهو زواج عرفى مؤقت للفتاة من أثرياء الخليج عند زيارتهم مصر للسياحة نظير دفع الزوج مبلغا كبيرا لهذه الأسر الفقيرة. ويرتفع الثمن طبقا لجمال الفتاة وسنها وما اذا كانت عذراء ليصل الى مهر كبير وشبكة غالية وأحيانا شقة تكتب باسم الزوجة. وقد عملت دراسة أثبتت أن أعمار الأزواج فى هذه الزيجات لا يقل عن 50 سنة. وتتراوح مدة الزواج بين اسبوع وشهر. ومن مشاكل هذه الزيجات صعوبة نسبة الأطفال المولودين الى أبائهم فينسبوا أحيانا الى والد الفتاة أو أخيها. وفى بعض الحالات لا يكون للاطفال عائل قيضافوا الى أطفال الشوارع.
ومادمنا بصدد الكلام عن ظاهرة استهداف الأطفال فيتحتم علينا الاشارة الى ما يجرى فى مصر مؤخرا من خطف الفتيات القبطيات القاصرات التى ابتدأنا نسمع عنها فى كل يوم تقريبا مثل سارة ذات الرابعة عشر ربيعا التى افترسها رجل وحشى ضد قوانين الطفل وضد الأعراف والأصول والتقاليد. ومنها الاتهامات المتزايدة بازدراء الدين الاسلامى التى بدأت تطال الاطفال الأقباط. ومن هؤلاء الطفلين نبيل (10 سنوات) ومينا (9 سنوات) الأميين اللذين اتهما بازدراء المصحف. والآن ظهرت حالة الطفل روماريو (13 سنة) والادعاء انه لم يستحسن عبارات على صحيفة الحائط كانت تتحدث عن "الرسول".
يا رجال مصر رفقا بالأطفال الابرياء. الرجولة الحقيقية ليست فحولة ولكنها شهامة. واجب الرجل السوى ان يحنو علي الطفل ويحميه. ولكن أشباه الرجال من المرضى يجدون متعتهم فى هزيمة الطفل الضعيف الغير القادر على الدفاع عن نفسه وايذائه. العار لكم فى الدنيا والآخرة. لقد رسبتم فى امتحان الرجولة..وأيضا الآدمية!
Mounir.bishay@sbcglobal.net