حنان فكري
التناقض في أشد صوره فجاجة, هو أن يجلس حزب النور السلفي علي مائدة الحوار الوطني ليناقش قضية التمييز, بالرغم من أن أفكاره في جملتها قضية تمييز كبري, وعلي الرغم من المواءمات الدائرة منذ عشر سنوات حينما خرج الإخوان من المشهد السياسي الرسمي حتي الآن, ومحاولات الحزب للسير علي الحبل للحفاظ علي وجوده, إلا أن ذلك لم يؤثر علي مرجعياته ولا أفكاره, والأمثلة رائجة يمكن رصدها بسهولة, لكن اللافت أن يطرح الحزب أفكاره في جلسة للحوار الوطني عن مكافحة التمييز, باعتباره لسان حال الطيف السلفي في مصر, وحارس القيم والدين.
هذا ما جاء علي لسان ممثل الحزب في جلسة لجنة حقوق الإنسان, والحريات العامة بالحوار الوطني التي عقدت الأسبوع الماضي لمناقشة قضية مكافحة التمييز بكافة أشكاله, وخلالها قال د. طلعت مرزوق ممثل النور ومساعد رئيس حزب النور للشئون القانونية:إن التمييز إذا كان لأسباب منطقية لا يكون تمييزا, فيجوز التمييز إذا بني علي أمر منطقي أو موضوعي! مضيفا أن التمييز لا يعني المساواة المطلقة! وأن هناك تمييزا مقبولا وتمييزا غير مقبول ! ثم ذهب مرزوق لأبعد من ذلك حيث طرح مصطلح تمصير التمييز بوضع تعريف منضبط في ضوء الدستورالمادة الثانية وعلي المقابل طالب بحقوق من لهم سمت ديني! أي طريق واضح يميزه دينيا عن النمط السائد ما دام لم يرتكب جريمة!, فماذا تبقي من مكافحة التمييز؟
وحقا لن أجد تعليقا معبرا عما يقف خلف هذا الطرح, أعمق وأصدق مما كتبه المحامي أحمد أبو المجد مفسرا طرح مرزوق إذ قال: في الوقت الذي يري فيه حزب النور أن تارك الصلاة كافر, وأن الملحد مرتد أو حليق اللحية فاسق, وأن المسيحي ذمي, ويدافع عن تزويج البنات من الأطفال, ويدعم ختانهم, يطالب في المقابل بأن تكفل الدولة الحقالشرعي والدستوري لمن له سمت ديني وحتي لا يخرج قانون لتجريم خطابات الكراهية والحض علي التمييز, طالب حزب النور بضرورة ضبط ودقة المصطلحات المستخدمة في هذه المسألة, بحيث تكون واضحة أمام القضاء عند تطبيقها, والفقه القانوني عند تفسيرها, مثل الحض علي الكراهية والحض علي التمييز, وغيرها من الألفاظ, وذلك حتي يتمكن شيوخ الفتنة من التحريض وبث الكراهية بلا أي مساءلة قانونية. للأسف حزب النور يحاول ابتزاز المجتمع والحقوقيين والجميع تحت دعوي القيم المصرية, فما يجري لا علاقة له بالقيم المصرية وإنما ذات علاقة بالمرجعية الدينية, التي يظل فرضها علي مجتمع متنوع بمثابة جريمة وطنية, يرتكبها بكل أريحية الحزب الذي يقدم نفسه ككيان سياسي مع الاحتفاظ بالنشاط الدعوي, والاحتفاظ بكونه الذراع السياسية لدعوة السلفية, وإن كانت ذاكرة المجتمع تغفر لكنها لا تنسي, فالماضي القريب والبعيد يذكر الجميع بأن الدعوة السلفية التي خرج النور من عباءتها وصفت نفسها بأنها تتبني دعوة إصلاحية, وعند وضعها علي محك الأحداث السياسية في مصر, تكشف وجهها الحقيقي من خلال تنظيم عسكري مسلح حاول الانقلاب علي نظام الحكم المصري عام 2001, في ما عرف حينها بتنظيم الوعد السلفي, هذا بخلاف كل الممارسات التي شهدها المجتمع المصري في جمعة الشرعية وجمعة الشريعة وغيرها من التظاهرات التي أرعبت المصريين إبان ثورة يناير 2011, مستخدمين الترهيب.
فهل نسي المشاركون في الحوار أن حزب النور خرج من عباءة هذا الطيف, حتي يصمتوا علي طرح يتبني مكافحة التمييز ضد فصيل ويضع العراقيل والقيود أمام شرعنة ذات المكافحة لبقية الفئات؟ فحزب النور يحاول ملء المساحة التي تركها الإخوان خاوية, في ممارسات غير مفهومة إن كانت تكتيكية أم استراتيجية, والنتيجة أنه حي يرزق حتي الآن, يبث أفكاره ذات المرجعية الدينية في جلسات الحوار الوطني التي تخص كل المصريين بغض النظر عن الانتماء الديني, ويهدد مساحات الأمان التي يسعي المصريون للخوض فيها استنادا إلي المساواة في مجتمع علماني مدني, يحتكم فيه المواطن لقانون منصف عادل, ويقتصر الإيمان فيه علي القلوب ودور العبادة وليس ساحات العمل السياسي.
يبدو أنه ما من أحد يتعلم الدرس, إذ ينسي حزب النور أن بقاءه حيا حتي الآن ما هو إلا مواءمة سياسية تخالف المادة 74 من الدستور الخاصة بـحظر الأحزاب التي تنشأ علي أساس ديني, واستمراره في طرح مرجعيته الدينية سيقوده- في أغلب الظن- لذات مصير الإخوان, لذلك فإن العبء يقع علي المشاركين من التيارات الأخري, والحقوقيين الذين طالما حلموا بقانون يكافح التمييز بين المواطنين علي أساس الجنس أو الدين أو الميول, قانون لا تعطله الطموحات الخاصة بفصيل, لأن مشاركة حزب النور في حوار, تؤدي مخرجاته إلي تشريعات جديدة في ملفات شائكة, الكل يعلم موقفه منها مسبقا, تقع علي خط تجميد الأحلام في وطن بلا تمييز.
نقلا عن وطنى