زاهى حواس
هذا هو المقال الأخير الذى يسرد لنا قصة كليوباترا وكيف أن أقوى اثنين فى ذلك العصر، وهما قيصر ومارك أنتونى، وقعا فى غرامها وأصبحت أقوى امرأة فى العالم القديم.
معركة أكتيوم
بدأت المعركة بين أنطونيوس وكليوباترا من ناحية وأوكتافيوس والشعب الرومانى من ناحية أخرى. وكان جيش أوكتافيوس مكونًا من 25 سفينة و8 آلاف من المشاة و12 ألفا من الفرسان، أما جيش عدوه أنطونيوس، فكان مكونًا من 70 ألفا من المشاة و12 ألفا من الفرسان و500 سفينة. ولكن استطاع أوكتافيوس أن ينتصر فى هذه المعركة. وبعد أن وجد أنطونيوس تفوق أوكتافيوس الحربى، فكر أنطونيوس فى الهرب إلى الإسكندرية ليعد العدة لأوكتافيوس ليقابله فى حرب برية. وبدأ أنصار أوكتافيوس من الرومان يبعدون عن التوجه إلى المعسكر المنتصر (معسكر أوكتافيوس). وعندما ذهب القائد ديليوس إلى أوكتافيوس، أخبره برغبة أنطونيوس فى الهروب إلى الإسكندرية، فأعد أوكتافيوس خطة بأن يجعل لعدوه مخرجًا من الخليج، ثم يتعقبه، ولكن القائد أجربا، الذراع الأيمن لأوكتافيوس، كان له رأى مخالف، مما أدى إلى حدوث معركة أكتيوم عام 31 ق.م، وكان النصر لأوكتافيوس. واستطاعت كليوباترا استغلال فرصة وجود ثغرة فى أسطول العدو فرت منها إلى مصر. وبعدها بفترة، ترك أنطونيوس المعركة وتوجه هو الآخر إلى مصر. وهكذا انتهت المعركة، وأقام أوكتافيوس احتفالاً بنصره وأطلق الألعاب النارية فى أكتيوم. أما أنطونيوس، فعندما غادر ولحق بكليوباترا ظلا معًا أيامًا على ظهر السفينة دون أن يتقابلا، فكل منهما كان فى باله ما يشغله، فكليوباترا تفكر فى مصيرها ومصير مصر بعدما حدث، أما أنطونيوس فكان يفكر فى المجد الزائل والهزائم التى ألحقت به العار.
وعندما عادت كليوباترا إلى الإسكندرية، ادعت أنها انتحرت. وقامت بإنشاء مقبرة لها داخل قصرها. وُضعت فيها كل كنوزها، لأنها تعلم مدى حاجة أوكتافيوس لهذه الكنوز والأموال. وملأت المقبرة بمواد ملتهبة حتى تتمكن من إشعال النار فيها قبل أن تموت وبالتالى تحرم أوكتافيوس من كنوزها.
نهاية كليوباترا
انتهت حياة واحدة من أشهر النساء اللاتى حكمن مصر. وعلى الرغم من أن الكثير من الكتاّب الرومان كتبوا بازدراء عنها، حيث وُصفت بأنها كانت تجرى وراء رغباتها وشهواتها، ولكن من خلال القراءة الجيدة لتاريخ هذه الفترة، نجدنا أمام شخصية متناقضة، وفية لمحبيها «قيصر»، ومن بعده «أنطونيو»، ولكنها على النقيض جافة قاسية القلب لا تتورع عن قتل كل من يهدد عرشها، فهى امرأة لم تغرق فى حب الملذات والشهوات كما يقال، ولكنها غرقت فى حب السلطة والحكم.
وانتهت حياة المرأة التى استطاعت أن تذل الإمبراطورية الرومانية أمام العالم. وعلى الرغم من أن أباها «بطليموس الزمار» قضى عمره يحاول استرضاء قادة روما ليعترفوا بعرشه على مصر، استطاعت كليوباترا أن تستقطب قيصر تجاهها. ومن خلال الزواج الذى لم يعترف به فى روما، استطاعت كليوباترا أن تستقل بمصر وأملاكها فى الشام وقبرص وبرقة. ومن بعده تزوجت أنطونيوس زواجًا شرعيًا. وحاولا معًا غزو روما، بل إنه وزع عليها وعلى أولادها أملاك الرومان، ولكن لم يتحقق حلمها بأن تصبح سيدة روما. وكان انتحارها نهاية لعصر البطالمة فى مصر.
وماتت كليوباترا فى العاشر من أغسطس سنة 30. وعلى الرغم من أنه لم تكن تجرى فى عروقها الدماء المصرية، فإنها كانت من أكثر البطالمة قربًا من المصريين حين تعلمت اللغة المصرية القديمة، وكانت تنسب نفسها إلى الإله رع، وكانت تظهر فى صورة الإلهة إيزيس. ومن غير المنصف لها أن توصف بأنها غانية لعوب، كما قيل عنها، حيث كانت ملكة شجاعة ذكية مثقفة على قدر غير محدود من الطموح. واستطاعت كليوباترا أن تستخدم كل مواهبها فى تحقيق أهدافها وهو استقلال بلادها والوصول إلى روما. ولم تستخدم كليوباترا فى هذا جمالها فقط، كما يشاع، ولكنها استطاعت أن تستخدم موهبتها وذكاءها لتحقيق أهدافها.
البحث عن مقبرة كليوباترا
ولا يوجد لدينا أى دليل عن المكان الذى دُفنت فيه كليوباترا، بالإضافة إلى عدم وجود دليل على أنها دُفنت داخل المقبرة التى أُعدت لها داخل مقبرتها بالإسكندرية، لذا كثرت الأقاويل والاجتهادات. ونعرف أن كليوباترا حاولت أن تتخلص من أنطونيو، لذلك أرسلت إليه رسولاً يخبره أنها ماتت، ولذلك فقد حاول الانتحار. وذهبت كليوباترا إلى أوكتافيوس تحاول أن تجعله أسيرًا لها، مثلما حدث مع قيصر وأنطونيوس، ولكن أوكتافيوس كان همه الأكبر هو أن يأخذها أسيرة ذليلة إلى روما. وعندما وجدت كليوباترا أن هدف أوكتافيوس هو أن يأخذها إلى روما كأسيرة، أقدمت على الانتحار. ويقال إنها أخذت الكوبرا والتى كانت تعتبر رمزًا للملكية، وأنها ماتت منتحرة بلدغة الكوبرا.
وقد جاءت لمقابلتى الدكتورة كاثلين مارتينيز من جمهورية الدومنيكان وأقنعتنى بأن كليوباترا وأنطونيو دُفنا داخل معبد تابوزيريس ماجنا، والذى يبعد حوالى 35 كم غرب مدينة الإسكندرية. وهذا المعبد أقامه بطليموس الرابع لعبادة الإلهة إيزيس. وقد شكلت بعثة مصرية تعمل مع الدكتورة مارتينيز منذ 12 عامًا وإلى الآن. وقد عثرنا على آثار مهمة بالموقع، أهمها ودائع الأساس الذى ترجع لعصر الملك بطليموس الرابع، والتى تؤرخ بناء هذا المعبد، بالإضافة إلى العديد من التماثيل الخاصة بالإلهة إيزيس وكليوباترا وعملات عليها اسم كليوباترا وتماثيل ملكية بدون رأس. كما تم العثور على لوحة عليها نص يعود إلى عهد الملك بطليموس الخامس، وهو عبارة عن هبات أعطاها إلى الإلهة إيزيس، بالإضافة إلى الكشف عن العديد من الآبار داخل المعبد، وكذلك جبانة ضخمة خارج المعبد داخلها مومياء كانت تتجه برأسها إلى هذا المعبد، وكأن هناك شخصًا مهمًا دُفن داخل هذا المعبد.
ويبدو أن الملكة كليوباترا لا تريد أن تكشف عن مقبرتها. فقد حدث لى العديد من الحوادث المثيرة- أولها حين كنت أقوم بتنظيف تمثال عثرنا عليه بالموقع، وكنت أمسك بالفرشاة لأنظف التمثال، وفجأة سقط على رأسى حجر يزن حوالى ٢٥ كيلو، ومن المصادفة الحسنة أن الحجر كان معلقًا على حائط يبعد عن رأسى فقط حوالى ٥ أمتار، لأنه لو كان هذا الحجر سقط من ارتفاع كبير لكان هناك كلام آخر، أو بمعنى أصح لحدثت كارثة.
وبعد سقوط الحجر على رأسى شعرت بدوار، لذلك فقد استقللت سيارتى وتوجهت للقاهرة، وطلبت من د. نشوى جابر، مديرة مكتبى، أن تتصل لى بدكتور، وبعد الكشف قال لى الطبيب إننى أعانى من ثقب فى المقلة وهذا يتطلب عملية. وقد اتضح لى أن العملية خطيرة لأنه بعد وضع مواد معينة داخل العين لابد أن أعيش لمدة ١٥ يوما ووجهى فى الأرض، لذلك رفض كل الأطباء أن يقوموا بإجراء هذه العملية لى بالقاهرة، لذلك وجدت الحل فى أن أذهب إلى مستشفى متخصص فى ميامى بالولايات المتحدة الأمريكية، وأجريت لى العملية، وبعد ١٥ يوما وجد الطبيب أن الثقب لا يزال موجوداً وأجرى لى العملية الثانية ونجحت بحمد الله.
أما القصة الثانية فقد حدث أن عثرنا على بئر صغيرة واعتقدت أن مدخل مقبرة الملكة كليوباترا يمكن أن يكون فى نهاية هذه البئر، لذلك فقد قمت بالدخول لعمق ٤ أمتار، ووجدت أن البئر صغيرة جدا لن تسع بالدخول بهذا الشكل، وبعد حوالى شهر من هذا الموضوع تم الاتصال بإحدى الشركات، وأحضروا ماكينة متصلة بصندوق ودخلت بالصندوق أسفل البئر حتى وصلنا إلى حوالى ٢٠ مترا، ووجدت أن المياه موجودة أسفل البئر، لذلك طلبت من زملائى بالأعلى أن يسحبوا الصندوق وفجأة تعطلت الماكينة لمدة ساعة كاملة وأنا واقف فى الصندوق وأنظر إلى الأسفل وأشاهد المياه وأنظر إلى الأعلى أسمع أصوات زملائى وهم يصرخون لخوفهم من عدم إصلاح الماكينة وبعد ساعة كاملة تم سحبى من الأسفل إلى أعلى البئر.
يبدو أن الملكة كليوباترا أحست بأن هناك ضرورة لكى تفعل شيئا لتشجيع السياحة اليابانية لمصر، لذلك جاء التليفزيون اليابانى إلى مصر لعمل برنامج عن كليوباترا، وكان معهم ممثلة يابانية مشهورة ونزلت معها فى مغامرة لن أنساها. على مدخل المعبد يوجد بئر عميقة تصل لحوالى ٣٠ مترا، ونزلت مع الممثلة اليابانية إلى هذه المسافة، وبعد ذلك نزلنا فى بئر أخرى ونحن نزحف داخل بئر أخرى تصل إلى مسافة ١٠٠ متر، وكانت مغامرة جميلة سحرت الشعب اليابانى بكليوباترا، وكذلك سحر الكشف داخل هذه البئر المظلمة التى سحرت قلوب الشعب اليابانى.
وبلا شك، فإن كشف مقبرة كليوباترا هو من الاكتشافات الأثرية التى يتمناها أى أثرى، بالإضافة إلى مقبرة الإسكندر الأكبر الذى تشير كل الأدلة إلى دفنه بمدينة الإسكندرية. وعندما أنتجت شركة فوكس فيلما عن كليوباترا فقد أفلست الشركة بعد إنتاج هذا الفيلم لأنهم قاموا بعمل الملابس والإكسسوار فى أمريكا بدلا من تصنيعها فى روما أو القاهرة. ويعتبر هذا الفيلم من أهم الأفلام التاريخية، وقد أبدعت إليزايبث تيلور فى تمثيل دور كليوباترا. وقد دعاها الكاتب الراحل العظيم كمال الملاح لكى تزور مصر، وجاءت أمام أبو الهول وقدمنى لها الملاح وشرحت لها الهرم وأبو الهول وكانت أسعد لحظة فى حياتى أن أقابل جميلة هوليوود.
وهناك اقتراح بأن يعاد إنتاج هذا الفيلم مرة أخرى، وتم ترشيح بيونسيه للقيام بدور كليوباترا، وقد اعترضت على هذا الترشيح لأن كليوباترا لم تكن سمراء اللون، بل كانت يونانية، وبالتالى لا يمكن أن تقوم بيونسيه بهذا الدور، وقلت على الهواء مباشرة من خلال اتصال تليفزيونى مع إحدى المحطات التليفزيونية الأمريكية إننى لا أرى غير أنجلينا جولى للقيام بدور الملكة الجميلة كليوباترا.
نقلا عن المصرى اليوم