بقلم: إسحق إبراهيم
لم يكن محسن لطفي السيد (1926- 2009) عاشقًا للمصريات فقط لكنه كان صاحب رسالة ثقافية وتنويرية، فالمفكر الليبرالي لم يرتض أن يبقى داخل صومعته يفكر ويصدر إنتاجه إلى شريحة المثقفين فقط بل أرد أن يشارك في صنع الأحداث، اشتبك معها رغم يقينه أنه يسير عكس التيار وأن الأمواج التي سيقابلها عاتية. تخرج من كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (1947) وسافر إلى فرنسا لاستكمال الدراسات العليا في القانون وهناك تعرف على الآثار المصرية فقرر أنه يهجر القانون ويدرس علم المصريات، فدرس اللغة الهيروغليفية في لندن.
توجد محطات فاصلة في حياة "محسن لطفي السيد" لعل أولها: تنظيم الصالون الثقافي في منزله بمصر الجديدة لتعليم المصريات وكان يستقبل فيه المثقفين المصريين من كل الاتجاهات للتبشير بمصر الحقيقية التي نريدها، وعندما أصبحت الرسالة أكبر من مجرد ندوة أسبوعية منظمة قرر أن يحول رؤيته إلى حزب سياسي فاشترك مع مجموعة من المفكرين والمثقفين في تكوين حزب "مصر الأم" وتقدم بأوراق التأسيس إلى لجنة شئون الأحزاب التي قتلت فكرة يتبناها تيار ثقافي في مهدها.

العلامة الراحل محسن لطفي السيد بأخر أيامهالحزب دعا إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة وإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "مصر دولة إسلامية وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، فلا يجب ربط القوانين بالتشريع الإسلامي. كما دعا الحزب إلى الاهتمام بجذور مصر الفرعونية، لكن تعرض الحزب ومؤسسيه لهجوم عنيف وانتقادات قاسية تارة بأن أصحابه يريدون انتزاع مصر من عروبتها وتارة أنهم يعملون ضد الإسلام. وحكمت المحكمة لغير صالح الحزب رغم أن تقرير مفوض الدولة تطرق إلى تميز برامج حزب "مصر الأم" وسياساته وأساليبه تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب الأخرى القائمة، وقال إن "الثابت من الأوراق والمستندات وخاصة من برنامج الحزب وإعلانه السياسي أنه انطلق من فلسفة وعقيدة سياسية وانتماء ممعن في الوطنية المصرية الخالصة، التي انعكست على برامجه وسياساته وأساليبه بصورة لم يسبقه إليها أي حزب من الأحزاب السياسية القائمة، وهو الأمر الذي أدى إلى تميز هذا الحزب السياسي تميزًا ظاهرًا عن سائر الأحزاب القائمة بملامح شخصية حزبية سياسية متفردة عن باقي الأحزاب.

احتفلت الكنيسة القبطية منذ أيام بعيد النيروز أو بداية السنة القبطية، وكان أحمد محسن لطفي السيد عالم المصريات يقول: أن أجدادنا المصريين قد قسموا السنة إلى ثلاثة فصول هي (فصل الفيضان: وينطق باللغة المصرية (آخت) وفيه يفيض النيل، وفصل البرد: الذي يُنطق بلفظ قريب من الحالي (بِرِت) وفيه بذر البذور وبداية الزرع، وفصل الصيف: وينطق (شمو) ومنه جاءت تسمية "شم النسيم" أي "نسمة الصيف" وفيه حصاد وجني المحاصيل).
كل فصل من تلك الفصول مدته أربع شهور كما قسموا الشهر الواحد إلى ثلاثة أقسام، كل قسم منها عشرة أيام. وقسموا اليوم إلى 24 ساعة, نصفها لليل والنصف الآخر للنهار!

أما أسماء الشهور المصرية فهي المعروفة حتى الآن بالتقويم القبطي وهي:
* توت: وهو أول شهور السنة تخليدًا لـ "تحوت" رب المعرفة والحسابات والتقويم.
* بابة: من "أوبت" عيد يقام بالأقصر احتفالاً بانتقال الإله آمون.
*هاتور: هي: "حتحور" ابنة "رع" ربة الجمال.  
*كيهك: هو عيد اجتماع الأرواح "كا حر كا" ذكرى للراحلين.
*طوبة: هو "طي" أقدم آلهة الأقصر, ومنه جاء اسم المدينة "طيبة".
*أمشير: هو "منتو" إله الحرب الذي أصبح "مشير" رب الزوابع.
* برمهات: هو "أمنمحات الثالث" قدسه المصريون لما تم في عهده من إنشاءات.
*برمودة: هو شهر الإلهة الجميلة "رع نينت" أو "رنودة" ربة الحصاد.
*بشنس: هو "خنسو" القمر إبن "موت" و"آمون".
*بؤونة: "أون" العاصمة, و"با أوني" وادي الحجارة بالأقصر.
*أبيب: هو "عبيب" أو "أبيبي" عيد انتصار الخير.
*مسرى: "مس رع" ميلاد رع.
نشرت سلسلة مكتبة الأسرة  للراحل ترجمته من الهيروغليفية لـ "أساطير معبد أدفو" كما أصدر على نفقته عديد من ترجمات الهيروغليفية , أهمها كتابي "طلوع النهار" وكتاب الموتى و"كتاب الممرات".

من أهم آراءه:
• الحياة الثقافية خراب ودمار، الحكومة تصادر على الإبداع والأزهر يصادر الرأي والكل يرفع دعاوى على الفكر.
• المثقف تخلى عن أداء دوره لصالح من هم أقل الناس.
• يجب وضع حد للإعلام الطائفي سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا، فالحكومة مسئولة عن رفاهية مواطنيها في هذه الدنيا دون الحياة الآخرة.
• نحن العرب نخرج من كل المعارك منتصرين دائماً حتى لو "انضربنا على قفانا" نحتفل بالانتصار.
• لا ينبغي أن يكون هناك دين رسمي للدولة العصرية، وليست هناك سوابق مماثلة في مختلف التطبيقات الديمقراطية حول العالم.