عزة أحمد هيكل
أعلن جيفرى هينتون، أستاذ علم الذكاء الاصطناعى، الأب الروحى له، والمشارك في أبحاث جائزة نوبل 2018، أنه نادم على ما بدأه من أبحاث وتجارب في مجال الذكاء الاصطناعى، ولذا فإنه يدعو العلماء في جميع أنحاء العالم إلى أن يوقفوا الأبحاث والتجارب في هذا المجال لمدة 6 أشهر حتى يستطيعوا تقييم تلك التجربة، التي تهدد بانتهاء الجنس البشرى.
وفى مقابلة على قناة CNN، أجْرَت الإعلامية الأمريكية حوارًا مع كولين لاهى، العالِم البريطانى، حول هذا الموضوع، وكانت المفاجأة أنه أكد كل مخاوف العالِم الأمريكى، بل إنه دعا إلى وقف كل الدراسات في مجال الذكاء الاصطناعى لحين معرفة كيف يمكن للإنسان التحكم فيها. وأضاف أن ما يفعله هذا العلم هو التشبه بالخالق، ومحاولة خلق جنس أكثر تطورًا وذكاء من الجنس البشرى، وفى هذا نهاية العالم، وانتهاء الدور الذي كُلف به الإنسان من قِبَل المولى عز وجل، ولكن ذلك الذكاء الاصطناعى سوف يتفوق على البشر، وسوف يأتى اليوم الذي يتحكم فيه في العالم، ويُنهى البشرية بصورتها الحالية.
إنه أمر مرعب ومخيف أن يتحول العلم إلى وحش كاسر يدمر البشر بأيديهم، فقد شرح العالِم البريطانى أن الذكاء الاصطناعى يتدخل في الجينات وعلم الوراثة، ومن الممكن أن يقدر على خلق بشر بصفات جينية خارقة في القوة أو الذكاء، وقد يأتى اليوم الذي لا يستطيع فيه أي عالِم أن يتحكم في كم المعلومات التي تغذى هذه الآلة الذكية، فيكون المنتج مخلوقًا جبارًا يدمر الكون والإنسان والحضارة ليصبح هو المسيطر والمتحكم في الحياة.
تلك القضية العلمية تتجاوز العلم والبحث، وتتخطى حدود الإيمان واليقين عندما يتشبه المخلوق بالخالق، ويحاول أن يغير الخلق، وأن يملك العقل والجسد بلا روح نفخها الله فيه لتحميه من تلك الأفعال الشيطانية لأحفاد إبليس، وهنا كيف يستطيع العالم الانتباه والتوقف والتحكم فيما يجرى داخل المعامل وقاعات البحث، التي تنفق عليها حكومات ودول وشركات مليارات الدولارات، وتجند المهرة والمتفوقين والنابغين من شتى أنحاء العالم، وتشجع وتمول تلك الأبحاث وهذه الدراسات، وتنشر الأخبار في الإعلام ووسائل التواصل عن أهمية الذكاء الاصطناعى، وأنه عصر جديد للحياة والتقدم والتطور، بينما هو في الحقيقة السلاح الذي سوف يدمر البشرية، ويُنهى العالم الذي نعرفه. الذكاء الاصطناعى لن يخدم البشرية ويسهل الحياة ويطور الصحة والدواء ويزودنا بالمعلومات، ولن يجعل حياة الإنسان أكثر جمالًا ورفاهية، ولن يجعلنا أكثر تواصلًا بعضنا البعض، ولن يوفر الجهد، ولن يفكر بدلًا من الإنسان ابتغاء صالحه وسعادته، ولكن ذلك الذكاء الاصطناعى يستعد الآن لأن يتولى القيادة والتحكم والسيطرة لأنه نتاج كل العقول النابغة والدراسات والمعلومات السابقة، ولكن بلا ضابط ولا محدودية في التطور الذاتى لأنه صُمم على ذلك وعلى تجاوز محدودية الذكاء البشرى الفردى، وتحول إلى وحش يضم كل ما أنجزته البشرية من علوم في متتاليات رمزية لإنتاج عقل جمعى لا يمكن لبشر إدراكه ومحاكاته.
وإذا كانت أبحاث الذرة قد تسببت في تقدم البشرية، إلا أنها دمرتها يومًا في هيروشيما وناجازاكى، ومازالت تهددها يوميًّا، وهذا الوحش المخيف المسمى الذكاء الاصطناعى قد صار أشد فتكًا بالعالم من كل ما مضى، وها نحن على أعتاب نهاية مأساوية للعالم، حتى لو انتبهنا، وأوقف العلماء أبحاثهم، وتوقفت الدول عن تمويلهم، فسيظل هناك آخرون مستمرون في تغذية هذا الوحش الجديد.. الجانب الأخلاقى للعلم مازال بعيدًا وكأنه مرادف للتخلف والجهل.. إنها الأخلاق والمعايير القيمة التي تُفرق الإنسان عن كافة المخلوقات.. إبليسية أم اصطناعية.
نقلا عن المصرى اليوم