الثلاثاء ٦ نوفمبر ٢٠١٢ -
٠١:
٠٨ ص +02:00 EET
البطريرك تاوضروس الثاني مع طفل القرعة بيشوي
بقلم نسيم عبيد عوض
عندما كان يحضر إلينا فى اميركا قداسة البابا شنودة الثالث ليزور أحد الكنائس فى أى مدينة ‘ كانت حكومة الولاية دائما تخصص له حراسة من شرطة المدينة تصحبه فى كل مكان ‘ وكان عندما تسأل أى شرطى عن الحدث كان يرد ( بطرك مصر ) وكذلك الصحف المحلية تكتب بالعنوان (بابا مصر ) ‘ وهو فى الحقيقة بطريرك مصر كلها ‘ وفى تاريخنا القبطى المصرى ‘ لن تجد فى سلسلة البطاركة العظام أل 118 ‘ من لا يضع مصر كلها نصب عينيه وقلبه ‘ وكنيستنا عرفت فى التاريخ بالكنيسة الوطنية ‘ وتصلى كنيستنا يوميا لشعب و لرئيس مصر ولحكومتها ومياهها والزروع والعشب ولأرضها السلام ‘ وعلى مر العصور كان بابا الأقباط فى المركز وأقصد فى قلب مصر كلها ‘ وكان ولازال له قيمة عليا فى سياسة مصر ‘ ومكانته لا يمكن تجاهلها فى حكم مصر ‘ ومهما كان الحاكم ‘ يكون بطريرك الأقباط ضمن قادة مصر وكنيسته مؤسسة دينية لها وضعها المتميز فى سياسة الدولة ‘ تماما مثلما يكون للأزهر.
وعلى مر التاريخ الذى عاصرته أنا كان فعلا البابا هو بطريرك مصر كلها ‘ وأذكر عندما جال قداسة البابا كيرلس السادس فى أنحاء مصر يزور كنائسها حتى فى المراكز والقرى ‘ كان أخوتنا مسلمى البلد يتسابقون للحفاوة به بل كنت تسمع الزغاريد من كل بيت ‘ ولا تستطيع أن تفرق بين مسيحى ومسلم بين المستقبلين ‘ وكان مشهورا عنه أنه يصلى للمرضى المسلمين مثلما الأقباط ‘ وكانت فرحتهم وحبهم له تراه دائما فى عيون كل الشعب فى أى بلد يزوره ‘ وعن قداسة البابا شنودة يطول الحديث عن علاقته بالدولة وحكامها أولا ‘ وبحبه وعلاقاته بأصدقائه المسلمين ‘ وكان دائما فى قلب الحدث ‘ فى كل مساره مع مثقفى الوطن وأعلامها ومفكريها ‘ وكان لايمر يوم فى مصر بدون أن يذكر اسم قداسة البابا شنودة فى وسائل الإعلام‘ حتى خصصت الصحف والفضائيات مندوبين لها متخصصين فى أمور الكنيسة ‘ و عندما كان يعالج ابينا الحبيب فى الخارج كان المسلمين قبل الأقباط يتسابقون فى الإطمئنان عليه ‘ وعن قداسته يعرف الجميع اليوم مدى كان عشقه لمصر وللمصريين جميعا ‘ وفى أى إجتماعاته مع شعبه لم يكن يسمح بالتفرقة بين مسلم ومسيحى فى الأحاديث ‘وفى وجود المؤرخ طارق حجى لا تجد من يحدثك عن البابا شنودة أكثر منه . وليس قداسته هو آخر بطاركة مصر بل هناك من إختاره الرب بطريركا خلفا له ‘ وهو الأنبا تاوضروس الثانى ‘ وعن حبه لمصر وللمصريون كلهم ‘بدأ الحديث عنه حتى قبل إعتلائه كرسى مار مرقس رسميا .
ومع بدأ عصر النهضة فى مصر كان البابا مرقس الثامن (108) (1796 – 1809 م)والذى عاصر الحملة الفرنسية والذى كان له دور كبير فى التصدى لكل الفتن والإضطرابت أبان الحملة الفرنسية ‘ومن بعدها عادت الدولة العثمانية تحكم البلاد ‘وكان أول من عاضد ثورة المصريين ضد الخديوى العثمانى حتى سحبته تركيا من مصر ‘ وكان مع عمر مكرم عندما ذهبوا لمحمد على ليولوه حاكما لمصر . والبابا بطرس السابع المشهور بالجاولى (109)(1810-1852م) وفى عهد محمد على كان من قام بتجديد كرسى النوبة النى غارت عليه الدولة العثمانية ‘ وأعاد لكنيسة النوبة مجدها ‘ وقداسة البابا بطرس الجاولى هو المشهور عنه فى التاريخ بواقعة زيارة سفير قيصر روسيا له وطلبه حماية الأقباط فى مصر ‘ فهو الذى قال قولته ( أن حامى مصر الملك الذى لا يموت بل يعيش الى الأبد وليس لملكه نهاية) ونحن لسنا فى حاجة لحماية ملك يموت. وقد قام محمد على باشا فور علمه بهذا الحديث من سفير روسيا ‘ أن سارع لزيارة البطريكية‘ وقدم شكره للبابا على ذلك ‘ وقال له لقد رفعت اليوم شأنك وشأن مصر فليكن لك مقام محمد على بمصر‘ فقال له البابا بطرس لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده. وفى عام 1834 م عند قارب نهر النيل عن الجفاف أن طلب منه محمد على ليصلى ليبارك الله مياه النيل حتى تروى بلاد مصر وأراضيها ‘ وأقام قداسته القداس الإلهى على شاطئ النيل ‘ وبعد طرح مياه غسل الأوانى ومعها قربانة فى ماء النهر ‘ أن تمجد إسم الله وأرتفع منسوب المياه بل جاءت الأمواج وكأنها بركان أمام أعين شعب مصر كله ‘ وهكذا أنقذت مصر من الموت.
ولعل وطنية البابا كيرلس الرابع البطريرك أل 110 (1853-1861م ) والمعروف بأبى الإصلاح فى تاريخ مصر ‘لا ينسى له المؤرخين أنه البطريرك المحب للعلم ‘ فهو أول من أنشأ أول مطبعة خاصة فى مصر بعد المطبعة الأميرية ‘ هومن أنشأ مدارس الاقباط والتى تعلم فيها المسلمين بحوار المسيحيين وأخرجت لمصر الكثير من علماء ومثقفى وقادة الوطن العظام‘ والمكتبات العامة ‘ أول من إهتم بتعليم الفتاة المصرية وقبل قاسم أمين والشرق العربى كله بخمسين عاما.
ولا يسعنا الوقت حتى نعدد وطنية كل آبائنا بطاركة مصر العظام ‘ ولكننا لا يمكن أن ننسى البابا كيرلس الخامس ال 112 ( 1874-1927م) ولعل دوره العظيم فى المؤتمر الأول للأقباط بأسيوط عام 1911‘ للمطالبة بتساوى المسلمين والأقباط فى الحقوق والواجبات‘ موقف مؤرخ له ‘ والذى كان أول المناصرين لثورة 1919باتحاد المسلمين والأقباط للمطالبه بإستقلال مصر ‘ ووقف بجوار سعد زغلول حتى أنشأ البرلمان ‘ وبعد ان تولى فؤاد ملك مصر وضع دستورمصر المشهور عام 1923 والمرجع الأول لكل دساتير مصر بعد ذلك ‘ ولعل وقوف أقباط مصر الممثلين فى لجنة إعداده ورفضهم وضع نص خاص بالأقلية القبطية فى الدستور‘ ورفضهم إعتبار الأقباط أقليه بل مصريون فى نسيج واحد مع المسلمين ‘ ورفضهم وضع إمتيازات لهم بالدستور‘مازال رمزا يحتذى فى وطنية الكنيسة وشعبها حتى اليوم.
على مر العصور منذ نشأة مصر وحتى اليوم ‘ كان بطريرك الأقباط ودائما هو رمانة الميزان فى كل الحوادث الطائفية ‘ كان أول من يسكب مياه الحب على حرائق التعصب والطائفية فى ربوع مصر ‘ وقد أكون قد قلت لكم معلومات قليلة عن وطنية الكنيسة ووطنية بطريركها ‘ ولكننا نحن فقط الأقباط من يعلمها وقليل من المسلمين المثقفين ‘ولأنه تاريخ طويل وعظيم وجزء من تاريخ مصر كلها ‘بل ومنطقة الشرق الأوسط كله‘ ولهذا نطالب بأن تتضمن كتب تاريخها شعبها القبطى الذى هو سراج منير للوطنية ‘وقصيدة شعر فى حب مصر‘ ولعل قول ابانا الحبيب المتنيح القديس الأنبا شنودة بأن( مصر ليس وطنا نعيش فيه بل وطنا يعيش فينا) أغنية جميلة يرددها المصريون جميعا ‘ لذا حقا وبتاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الوطنية جميعا إستحقوا لقب بطاركة مصر‘ ومبارك لمصر إختيار الرب لبطريرك الكرازة المرقسية البابا ال 118 الأنبا تاوضروس الثانى ‘ والذى نؤمن أن على يديه ستحل البركات على مصر كلها.