بقلم: نبيل المقدس
كنت لا اتمني أن اكتب مرة ثانية عن قوانين ازدراء الأديان .. لكن ما إستفزني هو قيام العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز منذ ايام بتصريح موجه إلي الأمم المتحدة نُشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 28 – 10 – 2012 .. بأنه سوف يأخذ علي عاتقه تبني مشروع دولي يدين اي دولة , أو مجموعة , أو شخص يتعرض للأديان السماوية والأنبيــاء حيث قال : أن هذا واجب علينا وعلي كل "مسلم" للذود عن الإسلام والدفاع عن رسالة الحق .
وأكد في كلمته .. أمام حفل الإستقبال السنوي للشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج , أهمية الحوار كوسيلة لتعزيز الإعتدال والوسطية والقضاء علي اسباب التطرف .
تعجبت جدا من هذا المشروع الخيالي والذى سوف يعرضه العاهل علي الأمم المتحدة أكبر مؤسسة دولية تحمي حقوق الإنسان بغض النظر عن ديانته .. فالذي عرضه عاهل السعودية هو مشروع في ظاهره غير منحاز .. لكن في باطنه هو مشروع خاص لحماية الديانة الإسلامية فقط من أي إزدراء , وهذا ما بينه في الجزء الأخير من تصريحه " أن هذا واجب علي كل مسلم للذود عن الإسلام والدفاع عن (رسالة الحق) " ..
إستسمح كل مَنْ يقرأ هذا الموضوع من إخوتي المسلمين أن يدرك تماما أنني غير منحاز ضدهم بل اتكلم معهم حديثا وديا عاما لكي نفند هذا المشروع ونعرف مدي عواقب هذه الإدانة لأي كيان يتعرض للأديان السماوية , ومدي فاعلية الحوار الذي اعتبره العاهل السعودي وسيلة لتعزيز الإعتدال والوسطية والقضاء علي اسباب التطرف .. مع العلم وهذا من وجهة نظري أن كل هذه التصريحات سوف تكون العامل الأساسي في إنتشار الفتنة بين أصحاب واتباع هذه الديانات , وتزداد الهوة بينهم مما يؤدي إلي منازعات ومعارك وحروب اهلية وربما دولية . المشكلة أنه حتي الآن لم يتم الوصول إلي تعريف محدد نهائي لكلمة الديانة .. ومهما أكثروا من الدراسة في تحديد معني الديانة فسوف تؤول إلي الفشل بسبب أن كل اتباع ديانة معينة يريد ويسعي علي فرض وجهة نظره الخاصة في تحديد معنى الديانة ... فَصِيل يقول أن الديانة هي التي تعبد إله واحد , وفصيل آخر يقول أن الطقوس في التعبد هي التي تعني بالديانة .. لذلك يوجد الآن ما يقرب من 26 ديانة متداولة رسمية بين اروقة الأمم المتحدة .. وتتعامل مع اتباعها رسميا وبلا تحفظ , وبكل إحترام ..!
هناك تقسيم آخر لتحديد معني الديانة وَضَعَهُ مَنْ ينتسبون إلي الديانة الإسلامية .. أولها الديانات التي يطلقون عليها السماوية والتي تتكون من اليهودية والمسيحية والإسلامية .. ونجد في نفس الوقت وبالرغم من إعتراف الديانة الإسلامية باليهودية وبالحياة المسيحية إلا اننا نجدهم يعلنون دائما , عند آذانهم , وفي صلواتهم , وفي مواعظهم , ومن خلال خطبهم المكتوبة والمسموعة .. بدون أي تحفظ لمشاعر الآخرين , عن نصوصهم المقدسة التي تشير إلي تحريف كتب اليهود والمسيحيين .. وأنا عن نفسي اعتبرهم علي حق من وجهة نظري لأن كل هذه النصوص هي من صلب عقيدتهم وإيمانهم , كما ليس من حقي أن أحتج علي ما يؤمنون به !... لكنني أحب أن أسأل العاهل السعودي : ما هي التبريرات التي سوف يقدمها العاهل السعودي إلي مجتمع الأمم المتحدة بأن هذه النصوص المقدسة والمدونة في كتابهم لا تقصد الإزدراء بكتب الآخرين ..؟ وهل هناك طريقة لتجنب هذا الموقف ؟؟ .
المشكلة الأكبر والأكثر تعقيدا .. هى الإجابة على هذا السؤال هام .. هل الأديان السماوية هذه تعترف فيما بعضها بالآخر ؟؟ .. الإسلام يعتقد انه هو دين الله الحق ولا ينافسه دين آخر .. وكذلك اليهودية لا تعترف بأي ديانة أخري ولا تقبل أن يدخل فيها أحد إلا مَنْ كان من نسل اسحق ابو يعقوب ( اسرائيل ) , وأصحابها ما يزالوا ينتظرون وعد الله لهم بمجيء المسيح لكي يخلصهم من عبودية العالم ويصبحون هم اسياد هذا العالم .. أما المسيحية فهي تنفي ما تردده اليهودية , وتؤمن بأنها هي الحياة المكملة بإتمام وعد الله وأن مجيء المسيح قد تم لخلاص هذا العالم من براثن الخطيئة وذلك عن طريق الفداء , والذي تنفيه الديانة الإسلامية واليهودية معا. بإختصــــــار شديد الكل يكفر الآخر وعدم الإعتراف بالآخر ما هو إلاّ الإزدراء بعينه , وكل بطريقته ومن وجهة نظره هو .. علينا أن لا ندس وندفن رؤوسنا في الوحل ونقر الحقيقة لكي نتجنب النزاعات والصراعات والتي سوف تكون ارض مصر هي رحاها , وهذا ما يبغيه العاهل السعودي وهو خراب مصـــــــر .. أرجع واكرر سؤالي للعاهل السعودي ما هى التبريرات التى يقترحها سيادته على الأمم المتحدة لفك هذا الإشتباك .. وكيفية الوصول إلي إعتراف كل ملة بالملة الأخري , لكي نقضي علي فكرة إزدراء الأديان .. ؟؟؟؟
أما التقسيم الثاني في تصنيف الأديان هي الأديان الروحانية و الوثنية .. وعدد من يتبعونها حولي مليار و300 نسمة .. أي أنهم نسبة كبيرة من تعداد العالم ويبلغ أعضائها أكثر من 55 % من إجمالي أعضاء الأمم المتحدة وإن لم يكن أكثر.. فهناك الديانة الهندوسية والتي يدين لها معظم بلاد الهند منذ القرن الـ 15 قبل الميلاد وهي تتبني نزعتين أساسيتين .. أولهما نزعة التوحيد, هي ليست توحيد بالمعنى الدقيق ، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى ، وعندها يخاطبونه برب الأرباب ، أو إله الآلهة . أما النزعة الثانية فهي التعددية : حيث يقولون أن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد مثل الماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
كذالك هناك الديانة البوذية وهي إحدى ديانات العالم الكبرى من ناحية عدد أتباعها وتوزيعهم الجغرافي وتأثيرهم الثقافي الإجتماعي. .. و هي ديانة شرقية إلى حد كبير وقد ظهرت منذ 6 قرون قبل الميلاد إلا أن تأثيرها وإنتشارها آخذ في الإزدياد في العالم الغربي. إنها ديانة عالمية مميزة , لها قبول واسع بين الأمم وتُعتبر أسرع ديانة انتشارا حتى الآن .
هناك ديانات كثيرة أخري .. من الصعب علي عاهل السعودية أن يتغاضي عنها .. ولا ينكرها .. فهي ديانات واقعية وموجودة فعلا .. والكلام ضدها طبقا بما يعتنقه عاهل السعودية وبما يمليه عليه كتابه بمقاومتهم و الإستهزاء بهم في صميم معتقداتهم يُعتبر ازدراء لهم .. فكيف يتقدم سيادته إلي الأمم المتحدة بعدم الإزدراء بديانته من قبل شعوب الديانات الأخري وهو في نفس الوقت مُعطي لنفسه الحق في إزدرائهم والتبشير ضدهم طبقا لتعاليمه.
لا ياسيادة العاهل .. فكرتك هذه ما إلا حماية للديانة الإسلامية فقط .. لذلك أتمني أن لا يكون عرضك هذا علي الأمم المتحدة خاص بالديانة الإسلامية آخذاً الديانة اليهودية والمسيحية ستارا لتمرير عرضك , وهو عدم الإزدراء بالأديان السماوية فقط متناسيا الأديان الأخري والتي تعتبر نفسها ايضا ديانات غير مسموح أن تكون عُرضة للإزدراء.
كفــــــانا اللعب علي أوتار الأديان .. فقد أصبحت ألحانها نشاذ ولا تتناسب مع الذوق النفسي للشخص .. وكنت اتمني من العاهل السعودي أن يبدأ هو بإرفاق بعض الملفات الخاصة مع مشروعه في كيفية تجفيف منابع الإرهاب .. وإظهار نية عدم التعصب والسماح لبناء اماكن عبادة لجميع الأديان لجميع المغتربين والذين يعملون علي ارض السعودية .
أخيرا أقدم إعتذاري لإخوتي وأحبائي المسلمين الوسطيين .. فأنا لن اتعرض لعقائد .. بل فقط تعرضت علي اسلوب وتفكير عاهل من عواهل العرب ...!!!