حمدي رزق
«بناء على توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى، تتوجه الأكاديمية الوطنية للتدريب بدعوة لاعب المصارعة المصرى أحمد فؤاد بغدودة، لتلقى منحة للتدريب والتأهيل مع رعاية تامة له كموهبة رياضية مصرية واعدة».
توجيه رئاسى معتبر، يرد الاعتبار لموهبة مصرية واعدة، يحافظ عليها ثروة لمصر، ليس لدينا رفاهية خسارة موهبة مجانًا، ولأسباب بيروقراطية بحتة.
مستوجب الشكر، وبعد: أتمنى أن تصل الرسالة الرئاسية التى نقلتها الأكاديمية الوطنية إلى «بغدودة» ويعود إلى وطنه طامحًا فى رفع العلم المصرى فى المحافل الرياضية الدولية.
ترضية رئاسية فاخرة، والرسالة بعلم الوصول للاتحادات الرياضية، ليس هكذا تورد الإبل، ليس هكذا تتم رعاية المواهب، ليس هكذا يكافأ أبطال الألعاب الفردية (بعيدًا عن نجوم الكرة).
تخيل، من الخيال المحلق فى الفضاء اللانهائى، نفقد موهبة تضمن ميدالية أوليمبية لمصر مقابل 12 ألف جنيه فقط لا غير، جد ملابسات هروب بطل المصارعة «بغدودة» مخجلة.
فكرة الخصم من المنبع، من الجائزة، شغل بيروقراطى عقيم، مثل هذه المواهب توزن بالذهب، وتُصرف عليها ملايين، ورفع اسم مصر فى المحافل الرياضية العالمية يساوى كثيرًا.
لفتتنى فى السياق تغريدة المهندس «نجيب ساويرس» على «تويتر» مخاطبًا البطل الغاضب: «ارجع وأنا هصلح كل اللى ضايقك.. إحنا ولاد بلدك عايزينك»..
ومثله كثير من المقدرين، دعم معنوى معتبر، رعاية الأبطال والمواهب فرض عين على الدولة، ويرفدها المقتدرون بالدعم الضرورى، رعاية الأبطال حكوميًّا وشعبيًّا، معنويًّا وماديًّا سيكون لها مفعول السحر فى تحقيق نهضة قاب قوسين أو أدنى.. المواهب متوفرة فقط الرعاية.
رعاية الأبطال ليست بدعة، ولدينا رجال أعمال مقدرون، ويقدرون على رعاية الأبطال فى اللعبات الفردية، يسهمون فى صناعة الأبطال كما يسهمون فى الصناعة الوطنية، وصناعة الأبطال من الصناعات الثقيلة، تكلف كثيرًا، ولكنها صناعة مضمونة العائد الوطنى، تحقق لمصر بطولات عالمية وميداليات أوليمبية، ويُعزف النشيد الوطنى مع رفع العلم لفوق.
مثل البطل بغدودة من حقه يتبغدد، يتدلع، يُحاط بالرعاية، ندرة هم الأبطال المؤهلون لإحراز ميداليات، دول كبرى مستعدة لاستيراد وتجنيس الأبطال من حول العالم ليحملوا عَلَمها فى المحافل الدولية، وتنفق عليهم إنفاق مَن لا يخشى الفقر، يعيشون ملوكًا وأمراءً.
بطل واحد فى الأوليمبياد يساوى الكثير، وتقاس عظمة الدول بحجم إسهاماتها فى الرياضة والفنون والآداب والعلوم، فإذا ما أزهرت نبتة تولوها بالرعاية حتى تصير شجرة قوية.
تقول الروائية الانجليزية «مارى آن إيفانس» المشهورة عالميا بـ «جورج إليوت» قولًا بليغًا: «لن تمطر السماء أزهارا أبدًا، فإذا أردنا المزيد من الأزهار يجب علينا زراعة المزيد من الأشجار».
سِلو بلدنا تقطيع الأشجار، وتكسير المجاديف، وتعطيل المراكب السائرة، ننزف جواهر التاج، نهمل المواهب، نبتدر الناجحين العداء المجانى. تغيب عنا البطولات رغم كثرة المواهب، لضيق الأفق، وعدم استساغة البطولة. زمن سادت فيه فكرة التمثيل المشرّف تكأة لتبرير الفشل المتحقق عن اصطحاب أنصاف المواهب بدلًا عن الجواهر الأصلية.
الفاقد الوطنى من المواهب رهيب، ورعاية المواهب عِلم وفن وصناعة ثقيلة لا يقدر عليها إلا القادرون، والقادرون فى مصر والحمد لله يسدون عين الشمس، ولو فعلها «نجيب ساويرس» مع «بغدودة» سيحذو حذوه أجلاء مقدّرون بشخوصهم وعبر شركاتهم وبنوكهم. قضية هروب بغدودة جرس إنذار يوقظ الشطّار لوقف نزيف المواهب.
نقلا عن المصري اليوم