مدحت بشاي
لعل من الأهمية بمكان أن يكون سعينا فى تلك المرحلة من تاريخنا فى اتجاه تسارع الخطى لتجديد حيوية الوطن عبر دعم كل وسائل الإبداع لتحقيق الذات الوطنية، والارتقاء بمكانتنا فى دنيا الحداثة فى معالجة لمناخ تشوبه ما يثقل الخطى حيث اتباع النهج الاتباعى فى تجاهل حلم الاندفاع نحو دروب الإبداع والتجديد والتطوير والخلق.
وذلك لأنه قد تحلق حولنا مَن يعكرون صفو مسيرة الإبداع إلى حد نكران فكرة الإبداع فى الأساس، حيث يرون أن مَن يحيونه يُحدثون البدع والهرطقات والخزعبلات الفكرية، وإعلانهم الخوف من تلك البدع وتبعاتها الكافرة بالأصول والتقاليد والمرعيات المتبعة المستقرة!!.
وتنطلق تخوفات مَن يخوفوننا من الإبداع من الخروج عن ثوابت الأديان التى أخضعوها لتأويلات وتركيبات التخويف والترهيب، ويعاونهم مَن يرون فى الإبداع إفسادًا فى ثوابت هوية الوطن والمواطن برؤى أيديولوجية حنجورية بتزيُّد غريب فى منطلقات وأساسات طرحه وتناوله فى إطارات متعالية وبنهج وثوقى رافض التطوير وداعم للحركة التمثيلية فى المكان.
وعليه، يتم وضع طرح هؤلاء تعاليم الأديان والمذاهب فى سياق اتباعى ملزم باعتباره نهجًا مقاومًا لخط إبداعى متطور حامل لفكر أيديولوجى مرفوضة إبداعاته بقناعة مناهضتها للمعرفة.
وإذا كانت هناك ثمة مقابلات بين الإبداع والاتباع، فإن الإبداع توجه ضد التكرار، والتكرار حركة موجهة نحو الثبات والتمترس البليد، ومن ثَمَّ نحو الموت، وضد الحياة، بينما الإبداع خروج ورفض لسكون الوضع الراهن ومحدوديته، وهو فى النهاية تجاوز لما ران واستكان وسكن وتجمد وتصلب عليه البعض.
والأهم تشوُّف إلى الحلم البديع والأجمل والأروع وحتى المستحيل، والإبداع تدفق لحالة تفاعل وانفعال إيجابى وتألق وفتح مسافات تتجدد والتوجه نحو آفاق متاحة للخيال، فالإبداع فى النهاية ثورة على الركود والركون إلى كل ما هو ثابت وساكن وآسن ومتكرر.
ولعل دور مؤسسات وأجهزة وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية فى دعم وتنمية الإبداع والفكر الإبداعى بات مهمًّا وفاعلًا فى الجانب التربوى والتعليمى والثقافى والفنى وسياق تعظيم حالة الوعى لدى شبابنا بأهمية ودور أن يكونوا من أهل الإبداع والتنوير.
وعلينا ونحن نرفع شعار «بناء الإنسان المصرى أولًا»، العمل المتسارع والمنهجى لترسيخ الهوية الثقافية، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية، وتعزيز القيم الإيجابية، ومكافحة التطرف الفكرى، والعودة إلى مكانتنا فى الريادة الثقافية، وتفعيل دور القوى الناعمة بما يحقق المصلحة العليا للدولة المصرية.
ولا ريب، إن ثقافة الإبداع هى الجديرة أكثر من غيرها بمواجهة ثقافات جماعات الإرهاب والتراجع الفكرى، فهناك فروق جوهرية بين هاتين الثقافتين، ومنها تمثيلًا لا حصرًا: إن الإبداع تفكير فى نسق مفتوح يهتم بالتعدد والتنوع والخيال والاختلاف، ووجود أكثر من إجابة للسؤال الواحد، وأكثر من حل للمشكلة الواحدة.
معلوم أن ثقافة الإبداع تقوم على أساس المصارحة والمكاشفة والتصحيح الذاتى، بينما تقوم ثقافة أهل التخلف على أساس الإسقاط والإنكار، ويرتبط الإسقاط والإنكار بما يسمى فى دراسات الإبداع بالميل إلى الإغلاق المعرفى.
وتبقى علامات الاستفهام التى قد تُستحسن إثارتها على طاولة تناول الشأن الثقافى والعلمى على طاولة الحوار الوطنى ومداولاته الفكرية المهمة كثيرة على أرض وطن له قائد ورئيس هو صاحب الدعوة إلى إقامة ودعم الحوار، قد يكون من بينها:
■ كيف السبيل لمعالجة عقم جامعاتنا ومؤسساتها البحثية والتعليمية فى مجال إنشاء حاضنات فكريّة داعمة للفكر الإبداعى؟
■ لماذا نعانى حالة من التكاسل فى وضع منظومة فكرية تنويرية منهجية تنهل من آيات وتعاليم الأديان ومذاهبها الداعمة لإصلاح السلوك الاجتماعى والأخلاقى وتقويم الممارسات السياسية المحفزة على الخلاف والتناحر والاقتتال الفكرى والمذهبى والمادى؟
■ هل تعود حالة التخمة المعرفيّة فى سياقاتها السلبية، التى باتت تشغل الساحة الفكريّة نتيجة تراكمات تنتمى لأفكار وثقافات أصولية واتباعية جامدة واستهلاكية إلى استخدامات نخبة ترتدى أقنعة ساحرة جاذبة كاذبة باسم قشور الثقافة وشعارات التدين ووسائل التديين حتى فى سياق المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية؟
■ ألّا نحتاج لدعم العلاقة التفاعلية الإيجابية بين فضاء المنجَز الفنى الإبداعى الحقيقى بالمشاهد المتلقى المتفاعل، فهو فى مجمله بات مجرد مستهلك بعيدًا عن سبل المعرفة واستضاءات التنوير إلا بطرق استلابية؟، وقد يكون لندرة وجود بيوت للفكر والتفكير والتحليل والنقد الموضوعى، أو عدم اهتمام السياسى بالمفكر؟.
■ لماذا لا نؤكد ونعِى أن المناعة الفكرية هى سِر الصمود فى الأزمات، وتِرْياق العلاج لمختلف الهزَّات، حتى لا يعيش بعضنا مصابًا بأعراض مرض الكمال المزعوم والأوهام، ونراهم مع أول هزَّة خفيفة يسقطون لأن البيت الذى شيدوه نُسِج من خيال الكتب والمُحاضرات والخُطَب الرنَّانة؟.
نقلا عن المصرى اليوم