د. نادر نور الدين
مع استئناف جلسات الحوار الوطنى ينبغى إعداد أجندة قوية تتضمن مناقشات فى مختلف القطاعات التى تعمل على ترسيخ لمستقبل أفضل لمصر. وفيما يخص القطاع الزراعى من المهم أن يشمل الحوار الوطنى بحث واقع ومستقبل الأمن الغذائى المصري، وإعادة هيكلة السياسات الزراعية من أجل إنتاج المزيد من الغذاء والكساء والأعلاف واللحوم والدواجن وتقليل الاستيراد وتخفيض فاتورة العملات الأجنبية، بالإضافة إلى عودة الزراعة كمهنة مربحة، والحفاظ على الأراضى الزراعية، وزيادة الرقعة الزراعية طبقا للمتاح من المياه، ووضع أولويات لمناطق الاستصلاح، ثم العودة إلى الخطط الخمسية لإنجاز ماتم التخطيط له.
فواقع الأمن الغذائى المصرى يشير إلى استيراد نحو 60% من أغذيتنا الرئيسية، حيث نستورد سنويا نحو 12 مليون طن من القمح طبقا لبيانات مؤسسة القمح الأمريكي، بينما يورد للدولة 4 ملايين طن، وقد يصل للقطاع الخاص والمزارعين نحو 2.5 طن أخرى، وأن استهلاكنا من القمح ربما يتجاوز 19 مليون طن سنويا، وينبغى أن نبحث عن وسيلة عملية لحسم المنافسة بين القمح والبرسيم لصالح القمح بزيادة إنتاجية البرسيم، ومعاملة القمح المصرى معاملة أقماح الدرجة الأولى عند تسعيره ورفع أسعار استلامه. والحقيقة أن التجار دخلوا كمنافس قوى للدولة لشراء القمح من المزارعين بسبب صعوبة تدبيرهم للدولار لاستيراد قمح لإنتاج المكرونة والرغيف الحر والمخبوزات الأفرنجية والحلويات ودقيق المنازل وجميعها مسئول عنها القطاع الخاص. المحصول التالى فى الأهمية هو استيراد مصر لنحو 12 مليون طن من الذرة الصفراء سنويا، وأننا نزرع الذرة البيضاء الأقل أهمية تماما مثلما نزرع القليل من مساحات القطن طويل التيلة والذى تراجع الطلب العالمى عليه بعد سيادة ملابس الكاجوال والجينز ونستورد القطن قصير التيلة اللازم لمصانعنا، بينما الصعيد مهيأ تماما لزراعته لتوفير مبالغ استيراده وتقليل تكاليف الإنتاج لمصانع النسيج، خاصة بعد مضاعفة أسعار الدولار نتيجة للضغوط عليه، ويمكن زراعة نحو مليون فدان من القطن قصير التيلة فى توشكى وشرق العوينات ومحافظات جنوب الصعيد بعيدا عن أراضى القطن طويل التيلة فى أراضى الدلتا، لأنه يتطلب رطوبة مرتفعة. الأمر يستلزم إحلال زراعات الذرة الصفراء لزراعات الذرة البيضاء لتوفير احتياجات مزارع الأعلاف. هذا الأمر يمكن تطبيقه بالزراعة التعاقدية مع المزارعين لاستلام محصول الذرة الصفراء وأن يكون هناك فارق ملموس فى السعر بينه وبين الذرة البيضاء يشجع المزارعين على التحول لزراعتها ورفع السعر المعلن حاليا وهو 9.5 ألف جنيه، بينما سعره الحالى فى السوق يقترب من 20 ألف جنيه. كما ينبغى الوصول بمساحة زراعة الذرة الصفراء إلى 2.5 مليون فدان لإنتاج 8 ملايين طن من الذرة الصفراء.
وفى نفس السياق ينبغى التحول السريع إلى زراعة فول الصويا صيفا مع الذرة الصفراء، لأنهما المكونان الرئيسيان للأعلاف، فنحن نستورد نحو 4 ملايين طن من حبوب الصويا لتصنيع الأعلاف، والتى قارب سعرها حاليا 40 ألف جنيه محليا، وينبغى للوزارة رفع السعر المعلن واقترابه من 20 ألف جنيه لأن الفدان يعطى نحو طن وربع الطن إلى طن ونصف الطن، وذلك لزيادة ربحية المزارعين وتقليل الضغط على الدولار مع سرعة تدبير كميات التقاوى اللازمة لزراعة مليون ونصف مليون فدان لتصل إنتاجيتنا إلى 2.5 مليون طن سنويا قابلة للزيادة مستقبلا. ولأن الدواجن أوفر كثيرا فى استهلاك المياه من العجول ونحن بلد شح مائى فينبغى ان نحافظ على ثروتنا من الماشية حاليا دون زيادة مع التركيز على زيادة إنتاجية الدواجن والأسماك. ولفول الصويا أهمية فى صناعة الأعلاف والزيوت ومصنعات اللحوم.
ويأتى فى الأهمية محصولا رجل الشارع وغذاء عامة الشعب من الفول والعدس والتى خرجت من التخطيط الزراعى بسبب تراجع عائدات زراعتها وتدهور إنتاجيتها نتيجة لتوقف إنتاج الأصناف الجديدة عالية الإنتاجية لضعف مخصصات البحث العلمى الزراعي، والتى ينبغى زيادتها إلى 3% سنويا من الموازنة إذا رغبنا فى زيادة إنتاجنا من الغذاء. أصبحنا نستورد جميع احتياجاتنا من العدس رغم أن اكتفاءنا الذاتى منه يتطلب زراعة 105 آلاف فدان من السهل تدبيرها خاصة فى محافظات الصعيد وقد كانت إسنا هى الأشهر فى إنتاجه، وذلك لتقليل أسعاره وعدم ربط سعره بالدولار. نفس الأمر ينطبق على الفول والذى أصبحنا نستورد مايزيد على 75% من احتياجاتنا منه وأيضا لتدهور الإنتاجية وغياب الأصناف الجديدة عالية الإنتاجية ويمكن الاستعانة بالتقاوى الإسترالية والكندية والقريبة من مواصفات الفول المصرى إلى أن نكتفى من أصنافنا المحلية. الاكتفاء الذاتى من الفول قد يتطلب زراعة نحو 600 ألف فدان فقط، وهو أمر يسير أيضا خاصة فى محافظات الصعيد.
الاكتفاء الذاتى من السكر والذى تقول الأرقام الرسمية إنها وصلت إلى 90%، بينما حجم الواردات يشير إلى كونها فى حدود 80% أو أقل قليلا، وربما مع المصانع الجديدة لاستخراج السكر من البنجر والتعاقد مع المزارعين المجاورين لهذه المصانع، وأيضا فى أراضى الاستصلاح، خاصة فى مناطق جنوب بورسعيد وسهل الحسينية وحول بحيرة المنزلة (الجزء الأول من مشروع ترعة السلام غرب القناة) حيث يتحمل البنجر ملوحة التربة وقلويتها، بل ويتغذى عليها ويعطى محصولا عاليا، وبالتالى يمكن معه تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من السكر.
وفى النهاية ينبغى أن نعطى أولوية لمناطق الاستصلاح فى شمال البلاد عن جنوبها لوجود الأمطار واعتدال الحرارة صيفا، وارتفاع الرطوبة النسبية، بينما فى الجنوب ترتفع الحرارة وتنعدم الأمطار وتنخفض الرطوبة بما يضاعف من استهلاك الحاصلات للمياه عن مثيلاتها فى الشمال.
نقلا عن الاهرام