محمد أبو الغار
هى فكرة ظهرت فجأة فى ذهن سيدة مصرية ثابرت وكافحت حتى أقنعت 38 مصرية متميزة بأن تكتب سيرة حياتها، وصدر الكتاب الأول فى عام 2016 باللغة الإنجليزية. وقامت دار الشروق بنشر الكتاب باللغة العربية فى عام 2023، وقام بالترجمة الأستاذ على عبدالعاطى.
يرجع الفضل الأول لهذا العمل الناجح إلى السيدة إسكندرانية الأصل سامية إسكندر، (سامية سبنسر)، بعد زواجها من أكاديمى أمريكى، حيث عاشت معظم حياتها فى ولاية ألاباما فى عمق الجنوب الأمريكى. استطاعت سامية، وهى فى آخر الدنيا، أن تصل إلى 38 سيدة مصرية حققن شيئًا عظيمًا للوطن ولأنفسهن. هؤلاء النساء من أعمار مختلفة. وقد تأثر الكثير من هؤلاء النساء بتغير الظروف السياسية والاقتصادية فى مصر.
تشكر سامية الدكتورة عزة هيكل، التى ذكرت الفكرة فى جملة عابرة، التقطتها سامية، وعملت على تنفيذها، وشكرت بشدة سهير قنصوة (حبيب)، وهى السيدة التى عملت سنوات طويلة فى برنامج الأمم المتحدة الإنمائى بالقاهرة، والتى أقنعت نصف المشتركات بالانضمام إلى المشروع، وسافرة عدة مرات لإتمام النجاح. تقول سامية إنها سعيدة أن الكثير من المشاركات قد تكلمن بمنتهى الصراحة عن تجاربهن الحياتية، وكشف البعض منهن أشياء شديدة الخصوصية.
أقام المجلس القومى للمرأة برئاسة مايا مرسى، يوم السبت الماضى، احتفالًا حضره عدد كبير من بنات النيل. وأُلقيت كلمات كثيرة، وسوف أقدم البعض.
تحدثت رانيا المشاط عن دراستها فى الجامعة الأمريكية، ثم حصولها على الدكتوراه من جامعة ميريلاند، وعملها فى صندوق النقد الدولى، ثم وزيرة للسياحة، وعملها الآن وزيرة للتعاون الدولى، وتحدثت عن دورها فى الحكومة، وركزت على التعليم المتميز الذى تلقته فى الخارج.
والوزيرة الثانية التى تحدثت كانت هالة السعيد، التى عبرت عن كونها مصرية صميمة تخرجت فى المدارس الحكومية بتفوق، فكانت السادسة على الجمهورية فى الثانوية العامة، وتفوقت فى كلية الاقتصاد، ثم شاركت فى الحياة العامة فى اتحاد الطلبة، ثم أصبحت عضو هيئة التدريس، وانتُخبت عميدة لكلية الاقتصاد بكل فخر، ولعل القارئ يلاحظ الفرق بين العميد المنتخب والعميد المعين، وحين انتقلت إلى عملها الوزارى كلنا لاحظنا الجدية رغم الظروف الصعبة والعمل بطريقة غير مؤسَّسية. هذه موهبة مصرية نجح التعليم العام المصرى حين كان متميزًا أن يصل بها عن طريق كفاءتها إلى أعلى المناصب.
أثناء إلقاء الكلمات كان التصفيق حادًّا وقويًّا وتلقائيًّا عند سماع بعض الأسماء. ربما كان أقوى تصفيق للرائدة العظيمة درية شفيق، التى كانت تقود المرأة فى الاتجاه السليم، ولكن للأسف تم اختطاف حلمها وحلم المصريات. وكرم المؤتمر ابنتها، وكذلك حفيدة هدى شعراوى.
وكرم المؤتمر الراحلة مارى أسعد، وهى السيدة العظيمة التى عملت بشجاعة وجهد على الأرض فى أصعب المناطق، وأنقذت مجموعات كبيرة من الناس، وغيّرت مسيرة حياتهم.
وتحدث المؤتمر عن سيرة تيسير أبوالنصر، التى تولت حديثًا منصب عميد كلية الهندسة فى أتوا عاصمة كندا. والدكتورة فوزية العشماوى، الباحثة، المعلمة، الحاصلة على الدكتوراه من جامعة جنيف، ومن هناك خاضت معارك عظيمة.
ونيرة أمين، المصرفية المتميزة، ابنة الإسكندرية، التى لمعت فى قيادة عدة بنوك، وعملت لسنوات طويلة فى سيتى بنك فى الشرق الأوسط، وتتحدث عن رحيل زوجها، الدكتور حسين الزيات، وهو فى عمر الأربعين، فتغيرت حياتها تمامًا. وهناك أيضًا:
هدى بدران: شخصية عملت بالعمل العام لخدمة المرأة والطفل مع الحكومة والهيئات الدولية والإقليمية لسنوات طوال.
سحر السلاب: تحدثت عن عملها فى البنوك المختلفة وفى إدارة الأعمال بنجاح كبير.
عزة فهمى: هى أيقونة الابتكار والتحدى والإنجاز فى العمل الخاص، والتى استطاعت أن تطور منتجًا مصريًّا أصبح علامة دولية، وهو أمر عسير وعظيم.
نعمت سابا حبشى: عاشت فى القاهرة، وأجادت الفرنسية والعربية، وانتقلت إلى نيويورك، وتخرجت فى كولومبيا، وأصبحت النجمة المسؤولة عن برنامج راديو شهير فى نيويورك يذيع فى أغلبه الموسيقى الكلاسيكية.
فايزة هيكل: بعد تخرجها فى الجامعة، التحقت بمعهد تسجيل الآثار، وقامت بدراسة اللغة المصرية القديمة، وعملت طوال عمرها مع الآثار المصرية والدفاع عنها.
هنا أبوالغار: تخرجت فى طب القاهرة، وتعمل أستاذًا للتغذية فى قسم الأطفال، واتجهت منذ حوالى ربع القرن إلى العمل العام، وبالذات فى خدمة البنات بدون مأوى، واستطاعت أن تنشئ مؤسسة بناتى، التى أصبحت أكبر مؤسسة مصرية لحماية بنات الشوارع، وحصلت المؤسسة على عدة جوائز عالمية.
فاتن كنفانى: تعلمت فى مصر فى مدرسة فرنسية، وسافرت إلى الخارج، وعملت فى عدد من الوظائف، ومنها دخلت إلى عالم الفنون الجميلة، وأصبحت صاحبة إحدى صالات العرض المميزة للفنون فى مصر.
منى مكرم عبيد: هى بنت أحد زعماء حزب الوفد القديم، الذى قاد ثورة 1919 والفترة الليبرالية بعدها، وعملت فى حزب الوفد، وعُينت فى البرلمان أيام الرئيس مبارك.
سوزان باهى: فتاة مصرية من أصول تركية وسورية وتونسية، ولكن والديها وُلدا فى مصر، فهى مصرية أصيلة، استطاعت أن تدخل عالم الفسيفساء وتتعمق فيه، وأصبح كل حياتها، وهى تعيش وتعمل فى كندا.
هند ونادية واصف: أسستا مكتبة الديوان الشهيرة، التى تحولت إلى دار نشر أخيرًا.
أود أن أعتذر لمَن لم أذكرهن فى المقال لضيق المساحة. كانت تجربة رائعة لم يعرف عنها المصريون شيئًا. وعندما نشرت الأستاذة أميرة أبوالمجد الكتاب بالعربية كانت الخطوة الأولى لأن يتعرف المصريون على المشاركات فى الكتاب.
بالطبع المشاركات فى هذا الكتاب هن عينة لا تمثل عموم المرأة المصرية. معظمهن يأتين من طبقات عليا أو من الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة منذ نصف القرن حين كانت هذه الشريحة تعيش فى رخاء وهدوء وتتلقى تعليمًا متميزًا. الكثيرات من هؤلاء المشاركات يعشن بعيدًا عن مصر منذ زمن طويل، ومعظمهن فى كندا وأمريكا والبعض فى أوروبا. والجميع كتبن باللغة الإنجليزية.
بالطبع، أنا سعيد بجميع مَن شاركن فى هذا العمل، وفخور أن هناك مصريات قمن بأعمال عظيمة، ولكن يجب ألا ننسى أن سيدات مصر حاجة تانية فى التعليم والثقافة والإلمام باللغات والحرية الكبيرة التى يتمتع بها مَن شاركن فى الكتاب. أعتقد أن النسخة العربية يجب أن تجد مكانها فى المكتبات العامة لأن قراءة هذه السير سوف تعطى الفتيات دفعة للأمل والتقدم والخروج من الدائرة الكارثية الضيقة التى يعيشها الشباب هذه الأيام، وخاصة الفتيات.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم