ياسر أيوب
قبل الحديث عن احتفالية يوم الألعاب الشعبية، التي تقام اليوم، لأول مرة، ينظمها المعهد العالى للفنون الشعبية بساحة المعهد.. لابد من التوقف أولًا أمام شاب إنجليزى في الرابعة والعشرين من عمره، اسمه «إدوارد وليم لاين».. جاء إلى مصر في 1825 وتعلم اللغة العربية، وعاش وسط المصريين ثلاث سنوات، ارتدى خلالها أزياءهم وتناول طعامهم ودَرسَ عاداتهم وطبائعهم وتفاصيل حياتهم.. وبعد عودته لبلاده، رجع إدوارد مرة أخرى إلى مصر ليستكمل شهادته التي صاغها في كتاب شهير ومهم بعنوان «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم» صدر في 1836.. ولم تكن الرياضة غائبة عن شهادة إدوارد، فقال إن المصريين في عمومهم لا يعرفون الألعاب الرياضية تلك التي تتطلب جهدًا جسديًا.. قد يتنازع فلاحان مع بعضهما لمجرد التسلية أو مقابل رهان، فيلجآن إلى النبوت.. وقليل منهم يميل إلى المصارعة، حيث يتخلون عن كل ثيابهم باستثناء السروال ويدهنون أجسامهم بالزيت، وأحيانا يتبارزون في الاحتفالات والمواكب، بحيث يكون الرجلان عاريين إلا من سروالين يستران جسديهما، ويحمل كل منهما سيفا ضالعا وترسا صغيرا..
وتكثر هذه المبارزات بين الفلاحين المصريين. وهناك لعبة الجريد التي ورثها المصريون عن المماليك، حيث ينقسم اللاعبون إلى فريقين، يحمل كل منهما أعواد الجريد المملوءة بالشوك ويلقيها على الفريق الآخر.. وقال إدوارد أيضا إن المصريين كانت تستهويهم الألعاب التي تتماشى مع مسلكهم الرزين وطبيعتهم الرصينة، فيستمتعون بلعب الشطرنج والدومينو والطاولة.. وبعد سنين طويلة جدا، قام المجلس الأعلى لرعاية الشباب التابع لرئاسة الجمهورية في الخمسينيات، بتكليف الكاتب الكبير إبراهيم علام الشهير بـ«جهينة» بجمع تاريخ الرياضة في مصر.. وقال «جهينة» بعد رحلة بحث طويلة، إن مصريين كثيرين كانوا يلجأون إلى الموالد والسيرك والأعياد، هذا عن ألعاب الكبار.. أما صغار مصر في القرن التاسع عشر، فكانت ألعابهم تتراوح بين ألعاب خاصة بالأولاد وحدهم، مثل: لعبة شبر شبير والحكشة واللجم وكرة النصارى.. وألعاب يشترك في ممارستها الأولاد والبنات مثل: لعبة الاستغماية والتعلب فات والحيرانة والغراب النوحى.. وألعاب خاصة بالبنات وحدهن مثل الجاموسة والدة.. وكلها ألعاب توارثها أطفال مصر جيلا وراء جيل.. أحبوها ومارسوها واكتفوا بها طويلا مثلما اكتفى الكبار بالشطرنج والطاولة والدومينو. وتوالت بعد ذلك الدراسات والبحوث والكتب التي اجتهد أصحابها في جمع التراث الرياضى الشعبى للمصريين، بداية من الفراعنة حتى أسرة محمد على قبل الاحتلال الإنجليزى في 1882.. ولا يزال هذا الملف يحتاج لمزيد من الاهتمام، لأن الإنجليز لم يأتوا فقط بالسلاح، إنما جاءوا أيضا بألعابهم مثل كرة القدم والتنس والإسكواش.. وغيرها، فتراجعت أمامها الألعاب الشعبية المصرية القديمة. والجميل في احتفالية اليوم أن المعهد الذي تتضمن مناهجه الدراسية هذه الألعاب الشعبية سيسمح له بالخروج من الكتب إلى الحياة، وسيقوم طلبة وأساتذة المعهد بممارسة 14 لعبة شعبية مصرية.
نقلا عن المصرى اليوم