عصام شيحة
اشتدت سخونة الحوار السياسى الذى تشهده مصر فى الوقت الحالى، وتزايدت موجات التحريض ضد الحوار وأهله، وبات واضحًا الآن للجميع أن الحوار جاء فى الوقت المناسب، وليبرهن أصحابه أن الحوار هو «الضمانة الأكيدة» لتحقق مقولة إن «مصر أكبر من أن تسقط».
وهنا دعونى أسجل أن أبناء مصر الذين يقومون بالحوار بمنتهى الوطنية، والملايين من المصريين الذين يتابعون الحوار جميعهم متفقون على أنهم لن يتركوا مصر تسقط أو تنزلق فى الفوضى مثلما تتساقط دول شقيقة من حولها.
كما بات واضحًا للجميع أن الشعب المصرى المتحضر يرسل رسالة إلى جميع المتحاورين بأنه لن يرسل أى فعل أو إشارة توحى بتشجيع أى مغامرة أو شطحات أو تخريب أو أى من الدعوات غير المسؤولة، ولن يتجاوب مع دعوات العنف والتخريب، ولا يرضى سوى بمدنية الدولة، وبالعدالة الاجتماعية، وبمزيد من الانفتاح فى المجال العام، وتعديل الأولويات الاقتصادية، وتحسين المنافسة، ومزيد من تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وعدم التورط فى أى مغامرات خارجية، وبسياسة حل المشاكل مع دول الجوار بالحوار والوسائل السلمية، وألا يكون اللجوء للقوة إلا عند نفاد الطرق السلمية وعند تعرض البلاد لخطر وجودى.
وأحسب أن تحت هذا السقف غالبية المتحاورين يتفقون، وأن الاختلاف هو حول سبل الوصول إلى هذه الأهداف والسرعة اللازمة، وهل نحتاج لتغيير السياسات والوجوه معًا؟.
ولعمرى أن ما نشهده من سخونة الحوار لهو الدليل على أن مصر دخلت حراكًا جيدًا، بل «عملية إصلاح» متسارعة، وتتعالى المناوشات ما بين الحكومة والمعارضة، ولكن فى ظل إطار الحرص على استقرار الدولة المصرية، ووسط قناعة راسخة بأن الوطن مِلْك للجميع، وأن المستقبل يجب أن نشارك جميعًا فى رسمه، وإزالة العثرات من طريقه، وأن نحقق معًا حلم الدولة المدنية المستقرة والقوية بمؤسساتها، والقادرة بما تملكه من آليات سلمية أن تعدل من السياسات، وأن تعبر الأزمات الطاحنة من خلال المصارحة والمشاركة والحوار.
ومن الأمور المبشرة أننا جميعًا نشهد حرص النظام على تكييف استراتيجيته لمواكبة التحولات التى يمر بها الوطن، وتطلعات ومخاوف مواطنيه، فقد أعلن رئيس الوزراء عن وقف الدخول فى أى مشروعات جديدة، فضلًا عن سياسات تقشفية، ومزيد من إجراءات تشجيع الاستثمار والقطاع الخاص.
وفى الوقت نفسه تسارعت خطوات الإصلاح السياسى إلى جانب تنويع الاقتصاد. ووسط الحرص على توسيع برامج الحماية الاجتماعية ومحاربة الفساد، وتعديل السياسات، وحرص النظام على فتح المجال السياسى، وتوسيع مجالات حرية التعبير، وتخفيف الاعتماد على الاستراتيجيات المتشددة من خلال الإسراع بالإفراج عن موجات متسارعة ممن يُعرفون بـ«المحبوسين احتياطيًّا»، وسط وعود جدية بإغلاق هذا الملف نهائيًّا بأسرع وقت ممكن، فضلًا عن انطلاق مبادرات لإعادة «الطيور المهاجرة» ممّن لم تتلطخ أيديهم بدماء، ودعوتهم إلى العودة والتفاعل من أرضية الحوار للعمل معًا من أجل الإصلاح والعبور من الأزمات التى تعترض مسيرة التقدم نحو المستقبل. ولقد شهدنا تجاوبًا وعودة لبعض الوجوه المعارضة من الخارج، والإفراج عن وجوه بارزة من المعارضة، وحراكًا شديدًا داخل البرلمان المصرى، وتفاعلًا قويًّا فى وسائل الإعلام حول مستقبل مصر.
وفى المقابل، فقد تجاوبت القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى مع الحوار، وحرصت القوى المعارضة مع القوى الحكومية على أن تجعل من الحوار أبعد ما يكون عن «حوار الطرشان». ولم نشهد حتى الآن أى جموح لتسجيل مواقف أو عنتريات، بل حتى المناوشات السياسية كانت ولا تزال فى حدود صراع الأفكار والرؤى السياسية، وفى ظل حرص كافة الأطراف على التصرف بمستوى التحدى.
ويبدو أن مصر من خلال الحوار تبحر بحرص على تجاوز أكبر تحدٍّ تواجهه فى الوقت الراهن. وهى تعمل ذلك بإنهاء خلافاتها خارج الحدود، وكسب المزيد من الأصدقاء، وتحييد الخصوم والمنافسين، وإدراكها أنه «لا مفر من الإصلاح»، وضرورة العمل معًا لإثبات صحة مقولة إن مصر أكبر من أن تسقط.
نقلا عن المصرى اليوم