إعداد/ ماجد كامل 
أهتم الأنبا غريغوريوس ب الفلسفة '>دراسة تخصص الفلسفة منذ التحاقه بالكلية الإكليركية خلال الفترة من ( 1936- 1939 ) . فلقد  آمن نيافته بالإرتباط الشديد بين الفلسفة واللاهوت ، وهذا الارتباط بدأ منذ فجر المسيحية ، فلقد كان القديس العظيم بولس الرسول  فيلسوفا درس الفلسفة مع الشريعة اليهودية منذ فجر شبابه ، وأنعكست هذه الفلسفة في كل رسائله . ومن بين آباء الكنيسة العظام الذين أهتموا بدراسة الفلسفة نذكر  القديس لاكاتينتوس Lactatantius ( 240- 320 )  والقديس الشهيد يوستينوس Justin Martyr ( 100- 165 م ) . كما  كانت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية بأساتذتها العظام ( بنتينوس – كليمندس – أوريجانوس – القديس ديديموس الضرير ) الذين  أهتموا بدراسة وتدريس الفلسفة ، حتي وصفت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية أنها " عقل العالم المسيحي " ،وانها البوتقة التي تم فيها المزج بين الفلسفة واللاهوت . ومع تأسيس المدرسة الإكليركية الحديثة  في 29 نوفمبر 1893 ، ومع   بداية تولي الأرشيدياكون القديس " حبيب جرجس " (1876- 1951 ) مسئولية  إدارة المدرسة ، أهتم اهتماما شديدا بإدخال مادة الفلسفة  ضمن مواد الدراسة في المدرسة ، مع  بقية مواد ( المنطق وعلم النفس وفن التربية والخطابة  وطرق التدريس والعلم والدين ) ( حبيب جرجس :- المدرسة
 
الإكليركية بين الماضي والحاضر ،  صفحة 34 ) .  ومن ضمن أساتذة الفلسفة الذين درسوا في الكلية الإكليركية نذكر :- 
1-المتنيح صالح بك ميخائيل . 
2-المتنيح الدكتور وهيب عطا الله ( نيافة الأنبا غريغوروس ) . 
3-المتنيح الدكتور رشدي حنا عبد السيد . 
4-المتنيح الدكتور موريس تاوضروس . 
5-الدكتور يونان  نخلة ( المتنيح القس روفائيل نخلة ) . 
6-المتنيح الأستاذ رشدي السيسي . 
7-المتنيح الأستاذ رمزي نجيب مقاريوس . 
8-الأستاذة الدكتورة عايدة نصيف  أيوب ( أستاذة الفلسفة  بالكلية حاليا – أطال الله حياته ومتعها بالصحة والعافية ) . 
( أمير نصر :- الإكليركية تاريخ وشهود :- فصل  من كتاب  الكلية الإكليركية  في 125 عاما ، صفحة 82 ) . 
 ولذلك كان علي رجل الدين أن يبذل قصاري جهده في تزويد عقله بكل  الثقافات والعلوم العصرية ،  فسوف تكون له خير  أداة لنجاح مهمته بين الناس ... ولما كانت الفلسفة تعد أرقي  جميع المعارف والعلوم ، فالإلمام بها أولي من غيرها وإن كان لا يغني  عن غيرها .  فدراسة الفلسفة تغني إلي حد كبير عن دراسة الكثير من العلوم ، أو يمكن علي الأقل أن تسهل البحث في جميع العلوم . ( السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس ، الجزء الأول ، صفحة 61 ) . 
ولم يكن  طريق التحاقه بكلية الآداب قسم الفلسفة سهلا أو ميسرا ،  رفض طلبه في البداية  لأنه كان خريج البكالوريا القسم العلمي ، ولا بد أن يكون الطالب خريج  قسم أدبي ، ولقد   أرسل حبيب جرجس خطاب تزكية الي ابراهيم بك تكلا  عضو المجلس المللي العام جاء فيه " حضرة صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم بك تكلا بعد التحية والاحترام    ....... حامله الشماس وهيب افندي عطا الله المتخرج من المدرسة  الاكليركية في العام الماضي ، وهو من أفضل خريجيها علما وأدبا  . وقد تكلمت مع عزتكم بشأنه أول أمس بخصوص رغبته في الالتحاق كطالب  بكلية الآداب  قسم الفلسفة لزيادة ثقافته مما يفيده في دراسته اللاهوتية  . ويهمني أمره جدا  غير أن الصعاب التي  تقف أمامه هي :- 
1-أنه حاصل علي البكالوريا عام  1936 . 
2-أن دراسته كانت في القسم العلمي . 
3-أنه يريد أن يعفي من المصروفات . 
وقد علمت أن شماسا كاثوليكيا التحق بالجامعة مجانا لأنه يحب الثقافة فقط . وحسب طلبكم كلفته بمقابلة عزتكم . ارجو التفضل بمساعدته وكل خدمة تؤدونها له اعتبرها خدمة جليلة لنا وللمدرسة  الإكليركية . ....... 
المخلص حبيب جرجس 
( السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس :- نفس المرجع السابق ، صفحتي  61 و62 ) . 
ثم اعطاه ابراهيم بك تكلا  خطاب توصية الي محمد بك عوض وكيل كلية الآداب   ...... وتوجه وهيب عطا الله  الي الكلية ، وتوجه إلي مكتب الوكيل واعطي الخطاب لسكرتير الوكيل ، فناده وسمح له بالدخول وتحدث معه قليلا ، وكانت نتيجة المقابلة أنه سمح له بصفة استثنائية بالالتحاق بالكلية علي شرط دفع المصروفات كاملة  ، وإذا  أظهر نبوغا في السنة  الأولي وحصل علي مجموع 70 % من السنة الأولي ، يكمل بقية السنوات مجانيا ( السيرة الذاتية ، الجزء الأول ، صفحة  62 ) .   وبالفعل التحق وهيب بكلية الآداب قسم الفلسفة  خلال الفترة من ( 1940- 1944 ) ،  وحصل علي التفوق المطلوب واستفاد بالمجانية  ؛وكان معه في نفس الدفعة كل من الأستاذ الدكتور زكريا إبراهيم    (    1924- 1976  ) والأستاذ الدكتور يحيي هويدي (؟ - 2014   ) . وذلك كما صرح هو بنفسه لكاتب هذه السطور . 
 
وحول أهمية الفلسفة كتب يقول "  إذا كانت الفلسفة هي محبة الحكمة ، وإذا كانت الحكمة تبتغي رأيا صحيحا في الكون ومبدع الكون ، وتريد أن تتعرف الي  حقيقة الوجود ومركز الإنسان  في الكون  ،  وهي محاولة خلق الإنسان الذي ينشد الحقيقة فيما يتعلق بالله والكون والنفس البشرية وقوانين  الخلق ومعايير الفضيلة ، ونظام المجتمع الصالح . لكن الفلسفة لا تزعم يوما من الأيام أنها قد  أدركت الحقيقة ، أو  أنها أمسكت بناصية اليقين . فهي بحث دائم  لا ينقطع ، ومجهود  متواصل لا يهن ولا يقف (  الأنبا غريغوريوس :- الدراسات الفلسفية ، مرجع سبق ذكره ، صفحة 10 ) . 
 
وحول العلاقة بين رجال الدين والفلسفة كتب يقول " لا بد أن نفرق بين نوعين من الحكمة : حكمة الله وحكمة الناس ،  فالحكمة الإنسانية هي هذه الحكمة الأرضية النفسانية الشهوانية الجسدانية التي توجهها النزوات الطائشة والرغبات الجامحة .  لعل الحكماء قد استغلوا فيها عقولهم ولكنهم أساءوا هذا الاستغلال ، فانحرفت بهم بعقولهم  فانزلقوا  إلي مهاوي الرذيلة والفساد ، إذ أن بعض الفلاسفة والحكماء قد  اغتروا بعقولهم فظنوا أنهم قادرون بالعقل وحده علي أن يصلوا إلي  كل نوع من الحقيقة ، حتي هذه الحقيقة التي لا يمكن أن تلحق بها بها عقولهم  ، فطاشت سهمهم ، ولكنهم في غرورهم لم  يحسوا بخيبتهم فظلوا مكابرين مدعين أنهم  قد أنكروا حقائق العالم الآخر ، زعما منهم أن ذلك لا يوافق العقل ولا يطابقه ، وبعض آخر من الفلاسفة أو الحكماء كانوا أشرارا أو ميالين إلي الشر ، فأظلمت  عقولهم  ........... وليس معني ذلك أن جميع الفلاسفة والحكماء نبذوا الإلهيات ومباديء الأخلاق ، بل بعض  منهم فقط . ...... ومع أن القديس بولس الرسول  قد درس الفلسفة اليونانية ، وكان يشعر بقيمة  هذه الفلسفة ، لكنه آثر أن يترك البرهنة علي تعاليم المسيحية  بأدلة عقلية  فلسفية لأنه يؤمن أن الروح القدس يستطيع أن يقنع القلوب ، بسلطان  أقوي من الأدلة  الفلسفية التي هي أضعف من أن تدعم أفكار الله العالية ، لذا يشرح منهجهه في البشارة مقارنا بين حكمة الله وحكمة البشر قائلا : وأنا لما أتيت إليكم   أيها الأخوة  أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديا لكم بشهادة الله ، لأني لم  أعزم  أن  أعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا   .... وكلامي وكرازتي لا يكونا بكلام  الحكمة  ، بل ببرهان الروح والقوة ......  الخ ( كورنثوس الأولي : 2 : من 1 – 16 ) . ( الأنبا غريغريوريوس :- نفس المرجع السابق ، صفحتي 14 و15 ) . 
 
ويطرح نيافته سؤالا هاما  هو :- لماذا يدرس رجل الدين الفلسفة ؟  ويمكن تلخيص  أجابة نيافته في النقاط التالية :- 
1-لأن الفلسفة هي أرقي المعارف البشرية :- 
حيث أنها تستأثر بأرقي الملكات الفكرية ، لأنها دراسة للفكر نفسه الذي تقوم عليه جميع العلوم البشرية ، وهي بحث في الأقكار الرئيسة والمباديء العامة دون التفاصيل التي تبحث فيها العلوم المختلفة  . 
 
2-لأن دراسة الفلسفة تصقل العقل وتمكنه من التفكير العميق  ، كما أنها تكسب العقل دقة  في البحث  وتربي ملكة النقد الصحيح  وأخيرا ترشدنا إلي اكتشاف المغالطات . 
 
3-دراسة الفلسفة نافعة للدين :- حيث أنها تؤكد حقائق الدين في ذهن رجل الدين  ، وتطمئن الناس علي الدين  . 
لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- الأنبا غريغوريوس ، نفس المرجع السابق ، الصفحات من 16-21 ) . 
 
وحول الصلة بين الفلسفة واللاهوت ، كتب نيافته أنه يوجد ثلاثة اتجاهات :- 
1-الاتجاه الأول هو القائل بوجوب الإقتصار علي العقل وحده ،  فالعقل هو معيار الحقيقة الأوحد ، ولا نستطيع أن نسلم بمعيار آخر للحقيقة يمكن أن  نثق فيه أو نطمئن  إليه ، فما يحكم العقل هو الصحيح ،  أما ما يخرج عن العقل  فغير صحيح .
 
2-الاتجاه الثاني :- ينادي بوجوب الاقتصار  علي الإيمان فقط  ولا ندع أي فرصة للعقل ، قالعقل قاصر عن إدراك الحقيقة . والفلاسفة العقليون أنفسهم قد أعترفوا أن العقل منهجهه  ظني احتمالي  لا يقيني  ، كما   أن البشر جميعا ليسوا علي قدم المساواة في مقدرتهم العقلية  ، فكان المنهج العقلي قاصر  علي فريق دون فريق . 
 
3-الاتجاه الثالث :-  وهو الاتجاه الذي يري أنه لا يمكن الاستغناء لا عن العقل ولا عن الإيمان ، ولكن يجب أن نحدد الميدان الذي يجب أن يعمل فيه العقل ولا  يجب أن يتعداه  ، والميدان الذي يجب أن يكمل فيه الإيمان . 
والخلاصة أن ليس الإيمان ضد العقل ، ولا العقل ضد الإيمان . فالإيمان مكمل للعقل . ومن هنا جاءت عبارة القديس أوغسطينوس Augustine of Hippo ( 354- 430 ) . 
 
ولقد رأي القديس كليمندس  فلاسفة الوثنية أنبياء للوثنية ، كما كان موسي وإشعياء وأرميا وغيرهم أنبياء لليهودية . ولم تدعي المسيحية إلي مذهب جديد ، ولم  تكن دينا لفيلسوف بعينه  ، ولكنها كانت دين كل فيلسوف يريد الحق ويفتش عنه كضالة مفقودة  . ولم تكن مذهبا يقود الفكر وحده ، بل كانت وما زالت منهجا للحياة المتزنة المنسجمة والشخصية الكاملة المتكاملة . يقول توما الأكويني " لو لم ير العقل أنه يجب عليه أن يؤمن لما  كان يؤمن " . كما قال  قبله القديس أوغسطينوس " إني لا أؤمن إن لم أر ما يحملني علي الإيمان " . كما قال أيضا " حاشا لله أن يكون خضوعنا لما يعلمه الإيمان حائلا دون إلتماس علة الإيمان ، لأنه لولا العقل لما استطعنا أن نؤمن " ( موسوعة الأنبا غريغوريوس :- الدراسات الفلسفية ،  صفحتي 22 و23 ) .
ولقد كتب نيافته مذكرات لطلبة الكلية الإكليركية   في موضوعات مثل (  الفلسفة المسيحية الشرقية – الفلسفة المسيحية الغربية – الفلسفة الرواقية – في تاريخ الفلسفة اليهودية – الفلسفة الوجودية -  الاشتراكية في المسيحية .... الخ ) . وفي بعض مذكرات اللاهوت الادبي كتب في موضوع الضمير حيث ذكر فيه كتابات الفلاسفة الكبار حول الضمير  كما شارك نيافته في ندوات الجمعية الفلسفية المصرية في أكثر  من مرة و في أكثر  من محاضرة . 
 
بعض مراجع ومصادر المقالة :- 
1- حبيب جرجس :-   المدرسة الإكليركية القبطية الأرثوذكسية بين الماضي والحاضر ،  صفحة 34 . 
2-  أمير نصر :- الإكليركية تاريخ وشهود ، فصل من كتاب الكلية الإكليركية في 125 عاما ، الطبعة الأولي ، 2020 ، صفحة 82 . 
3-  الإكليركي منير عطية :- السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس :-  الأنبا غريغوريوس والإكليركية قبل  رسامته أسقفا ، الجزء الأول ،  المجلد رقم 38 ،  الصفحات  من 60 – 63 . 
4- الأنبا غريغورويوس :- الدراسات الفلسفية ، موسوعة الأنبا غريغورويوس ،  مكتبة المتنيح الأنبا غريغوريوس  المجلد رفم 4 ،