جمال رشدي يكتب
" يا ولدي دا ابن موت الغلطة مش بتطلع منه" تلك العبارة كانت تقولها لي والدتي الله يرحمها عندما تسمع أو ترى شخص لا تخرج من فمه أو سلوكه العيب، بالطبع من هؤلاء فقيد ثقافة وانسانية الوطن الدكتور محمود بكرى، لقد مات الرجل الذي عاش من أجل الا يموت الآخرون بالفقر أو المرض أو الاحتياج، مات محمود بكرى بعد أن عاش سنوات عمره من أجل أن يحيا الوطن، مات محمود بكرى بعد أعطى حياة  للكثير بالمعاني الإنسانية من ادب وأخلاق وهدوء وثقافة وحب وتسامح وَرحمة ووطنية، مات الرجل الذي عاش وسيعش في ضمير الوطن وفي قلب المواطن، مات الصعيدي الشهم الجدع الكريم المحب الذي يحمل في ملامحه لون ارض مصر وفي سماته وصفاته هوية أجداده العظماء، مات محمود بكرى منذ ساعات ومنذ ان علمت بخبر وفاته وانا ابحث عنه في كل مكان لعل اكون في سبات النوم وهناك كابوس احاول ان اهرب من مخالبه.

منذ ساعات ارسل لي الصديق العزيز مصطفى بكرى رسالة تحمل في سطورها أن أخيه قد رحل، كانت الصدمة كبيرة بالنسبة لي، وفي تلك اللحظة كان خوفي على اخي مصطفى بكرى لان اعلم ان العلاقة مع أخيه محمود ليست تؤامه أو علاقة أخوة أو محبة فقط بل انصهار كامل وتوحد شامل في كل شئ، وكان حزني ان خارج مصر وليس موجود لكي اكون بجانبه، على العموم اطلب سلام من السماء ان يسكن قلب اخي مصطفى حتى يعبر تلك المرحلة الصعبة .

منذ ٧٠ يوم وقبل دخول المرحوم  محمود بكري المستشفى بساعات ،  كانت آخر اعماله الوطنية والإنسانية حيث تم اختفاء 7  مواطنين مصريين من سوهاج  في ليبيا، وقبل بدء حلقة حقائق واسرار الذي يقدمها الاستاذ مصطفى بكرى على قناة صدي البلد تواصل معي المرحوم  محمود لكي نجمع المعلومات والمصادر لتناول ذلك الحدث وظللنا طوال مدة الحلقة على تواصل، وكان لي مداخلة في البرنامج، وقبل المداخلة تواصل معي وقال لي عبارة تنم على حكمة وعظمة وطنية هذا الراحل العظيم ( استاذ جمال مصر والسيد الرئيس مش هيسيبوا أولادهم) لانه كان يعلم انني زعلان ومحمل مؤسسات الدولة المشكلة بسبب عدم صدور قانون البناء الجديد وان هؤلاء المصريين المختطفين في ليبيا يعملون في مجال المعمار وذهبوا الي هناك بعد ان أغلق باب الرزق عليهم في مصر، وبفضل مجهوده تم تحرير أولادنا ورجعوا ثاني يوم من ليبيا

رحل الرجل المتواضع المهذب، فأخر مرة منذ ثلاث شهور كنت اجازة في مصر وذهبت الي جريدة الاسبوع للسلام على الاستاذ مصطفى وعليه، وجد الاستاذ مصطفى ولم أجده وبعد انتهاء المقابلة وأثناء وجودي على محطة القطار للرجوع الي المنيا  وجدت محمود بكرى يرن وكلمني واعتذر عن عدم وجوده ولانه كان يريد السلام على.

رحل الرجل بعد أن سقط فجأة في المرض،. لانه كان يعطي كل وقته وحياته للوطن والمواطن، ففي دائرته بحلوان يظل في الشارع ومن مصلحة الي أخرى ومن مسئول الي اخر حتى ينهي مصالح الناس، فكفى اقول للقراءه الاعزاء انه منذ الصباح الباكر الي الساعة ١١ ليلا فمن الممكن أن يكون واقف مع المعدات لنظافة شارع أو مع فني لانارته أو مع مواطن غلبان لمساعدته أو مع مريض لمساندته.

رحل محمود بكرى ولكن لم ولن يرحل من ذاكرة الوطن أو المواطن، وسيظل رمز وقيمة للأجيال القادمة تتعلم منه كيف تكون انسان وكيف تكون وطني دون أن تتاجر أو تسمسر في اوجاع الوطن. وأخيرا خالص التعازي القلبية لاخي مصطفى بكرى وكل الاهل والأسرة ومحبيه في كل مكان